مصطفى عبد الحسيب الدناور
في تحولٍ استراتيجي يعيد رسم المشهد الاقتصادي لسوريا، شهدت دمشق توقيع اتفاقيات استثمارية كبرى مع شركات من السعودية، قطر، تركيا، والولايات المتحدة، وذلك في أعقاب رفع العقوبات التي فرضت على البلاد لسنوات. هذه التطورات تحمل في طياتها العديد من الرسائل التي تعكس انفتاح سوريا على التعاون الدولي، وتعزز موقعها كشريك اقتصادي قادر على جذب الاستثمارات، لا مجرد متلقٍ للمساعدات.
ما يميز هذه الاتفاقيات هو التنوع الجغرافي والاقتصادي للشركاء الدوليين، وهو مؤشر قوي على استعادة سوريا ثقة المستثمرين العالميين في استقرارها وإمكانياتها الاقتصادية. هذا الانفتاح يرسل إشارات واضحة للعالم بأن العزلة الاقتصادية لم تعد خيارًا مطروحًا، بل إن سوريا تستعيد مكانتها كوجهة استثمارية تستحق الاهتمام.
لم يكن هذا التقدم محض صدفة، بل هو ثمرة جهود دبلوماسية متواصلة قادتها القيادة السورية بأسلوب براغماتي متزن، حافَظَ على سيادة القرار الوطني وأعاد ربط البلاد بالمنظومة الاقتصادية الدولية على أساس الشراكة، وليس التبعية. هذا النجاح يؤكد أن الدبلوماسية السورية تمكنت من تحقيق اختراقات ملموسة عبر الحوار البنّاء، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
رغم التحديات التي لا تزال قائمة، فإن هذه الاتفاقيات تمثل بارقة أمل للمواطن السوري، حيث تفتح الباب أمام مشاريع تنموية توفر فرص عمل جديدة وتدعم إعادة بناء البنية التحتية. هذه التحولات الاقتصادية، وإن كانت تحتاج إلى وقت لترجمة آثارها على أرض الواقع، إلا أنها تؤسس لمرحلة أكثر استقرارًا ونموًا على المدى الطويل.
رفع العقوبات لم يعد مجرد إعلان سياسي، بل بدأ يتحول إلى مشاريع فعلية تسهم في دوران عجلة الاقتصاد. هذه العودة التدريجية لرؤوس الأموال إلى سوريا تشير إلى بداية مرحلة جديدة، يكون فيها الاستثمار المحرك الأساسي للنمو، ما يعزز ثقة المستثمرين بأن سوريا باتت مهيأة لمواكبة التحديات الاقتصادية العالمية.
ختامًا
بينما تمثل هذه الاتفاقيات خطوة واعدة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، فإنها ليست الحل السحري لكل المشكلات الاقتصادية. التحولات الكبيرة تحتاج إلى جهود مستمرة وصبر وتكاتف داخلي لضمان استمراريتها وتحقيق الاستفادة القصوى منها. ومع ذلك، فإن الرسائل التي تحملها هذه الاتفاقيات تبعث الأمل بأن سوريا تسير بخطىً ثابتة نحو التعافي الاقتصادي، مع رؤية واضحة تضع مصلحة المواطن في قلب التحولات الجارية.