بقلم محمد سلام حنورة ..
على وهج الشمس التي لم تغب يومًا عن نوافذ القلب السوري، وعلى وقع خطى الحالمين الذين لم ترهقهم السجون ولا تراب المنافي، وُلدت الهوية البصرية لسوريا الجديدة كما يولد الفجر بعد ليل طويل – من رحم النار خرجت، ومن الرماد نهضت، عقابًا ذهبيًا يضرب جناحيه في السماء، شاهِرًا عينيه نحو الأفق، قائلاً:
“ها قد عدتُ، لا بصفتي رمزًا لدولةٍ غاشمة، بل حارسًا لأملٍ لم يمت، ووعدٍ طال انتظاره.”
ما بين ذيل يحمل سنابل القمح، ومخالب ممشوقة تستعد لحماية العش، تتجلّى سوريا كما يجب أن تكون: حنونة وقوية، عصيّة ومنفتحة.
تلك الدولة التي لطالما حلم بها من ماتوا تحت التعذيب، ومن خرجوا بلا عودة، ومن تمسّكوا بجدران بيوتهم وهم يعرفون أن الصواريخ آتية…
باتت اليوم حقيقة مرئية، لها هيئة وشكل، ولها قصة تُروى لا بالأرقام، بل بالدموع والأهازيج.
العقاب الذهبي لم يُولد من ورق، بل من حكايات الخنادق والمآذن المدمّرة، من صوت أمّ تنادي ابنها تحت الركام، من كلِّ “يا الله” خرجت من حنجرة محاصَرة… ومن كلِّ قلب قال:”سوريا ستعود.”
تحرر العقاب من “ترس” الاستبداد ومن فكرة أن الدولة تختبئ خلف سلاحها.
لم يعُد رمزًا للقوة القمعية، بل حارسًا للنجوم الثلاث التي لم تعُد فقط اختزالًا لعلم، بل لتلك القرى والبيوت التي صعدت إلى السماء في ليلة باردة، ثم عادت لتضيء جبين الوطن.
في سوريا الجديدة، لا ينحني الشعب للدولة، بل تعلو به وتنهض معه، في انسجام نادر كأغنية منسية وجدوها يومًا في علبة رجل عجوز قديم، وقالوا: “هذه نحن.”
هذا الشعار ليس مجرّد تصميم رسمي، بل وثيقة بصرية لميلاد عهد جديد.
كل ريشة من ريش جناحي العقاب تمثل محافظة سورية، وكل تفصيل فيه يحكي حكاية أمّة استعادت نفسها من بين أنياب الوحش.
حتى الذيل، ذاك الذي يحفظ توازن الطائر، يُجسد وحدة الجغرافيا بتفاصيلها الخمس: الجنوبية، الوسطى، الشمالية، الغربية، والشرقية.
أجنحة العقاب في الشعار الجديد ليست مفرودة بنزعة هجومية، ولا مطوية بانغلاق انعزالي.
هي متأهبة بارتياح، ترمز لمرونة الدولة السورية الجديدة، وجاهزيتها للحماية لا للعدوان.
في مخالبها الثلاث بكل قدم، رسالة واضحة: الجيش يحمي لا يعتدي، و يعرف طريق المدرسة والمشفى والخيمة، لا طريق القصر والسجن.
وفي هذا الشعار، تظهر الدولة كـ”حارسة للشعب”، لا متسلطة عليه. دورها الأساسي لم يعد الهيمنة، بل التمكين، وتوفير مقومات الحياة والنهضة عبر الصحة والتعليم والبنى التحتية، تماشيًا مع العقد السياسي الجديد الذي أطلقه رئيس الجمهورية حين قال: “حكومة منبثقة من الشعب وخادمة له.”
هكذا، لم يكن احتفال السوريين بالهوية البصرية الجديدة مجرد طقس رسمي.
كان لحظة ولادة، عودة الروح إلى الجسد.
لم يكن شعارًا على الجدار، بل قسمًا في القلب، ومرآة لوجه سوريا التي نعرفها: قوية، متصالحة مع ماضيها، عازمة على مستقبلها، وشامخة كالعقاب الذهبي حين يفتح جناحيه في العلا.
سوريا لم تخرج من الحرب فقط… بل خرجت من النسيان.
تذكّرت نفسها. رسمت وجهها من جديد.
وقالت للعالم: “أنا سوريا… ما انكسرت، ما اختفيت، أنا ابنة الخبز والشمس والذهب… وسأحلق.”