بقلم: محمد مهنا..
إنجازات تتوالى وتحديات تتعاظم وتهديدات تعيشها سورية الجديدة أو لنقل سورية الشعب بعد أن عادت من التيه الذي أدخلها فيه النظام البائد لعقود وأبعدها عن مواكبة البشرية ..فجوة حضارية نتلمس اليوم أثرها في كل النواحي الإقتصادية والتقنية وحتى الثقافية فحينما يراهن البعض على الأعداء الخارجيين مثل الكيان الصهيوني ليعادي الدولة السورية ويمجد فعله هذا ويسوّقه إعلاميا ولا يرى في العمالة والخيانة منقصة فنحن أمام مشهد عبثي يدل بلا ريب على تلوث ثقافي ومعرفي يرجع بجذوره الى النظام البائد الذي كرس مفهوم الطائفية والمناطقية مقابل مفهوم الدولة.
هنا لابد أن نميز بين مفهومي الدولة والنظام واللذان يتطابقا في المفهوم الشعبي لكن في الحقيقة هما مصطلحان متغايران فالدولة هي الشعب والمؤسسات والبنية التحتية أما النظام فهو الإدارة العليا للدولة ودائما ما كانت حركات التحرر والثورات الشعبية تستهدف تغيير النظام مع الحفاظ على الدولة قائمة بمؤسساتها ودوائرها وبنيتها التي تخدم الشعب .
لذلك يمكننا القول أن من أهم إنجازات ردع العدوان في أواخر العام الماضي إلى جانب إسقاط النظام الطائفي الأسدي وعودة الشرعية إلى الشعب هو الحفاظ على كيان الدولة الذي ينظم حياة المواطنين، ويحفظ القانون، ويضمن الحقوق، بل إن أول ما سعت إليه الثورة بعد التحرير هو عودة تلك المؤسسات للعمل رغم النقد الذي طالها بسبب الاعتماد على الكوادر القديمة وهو نقد موضوعي من جانب جمهور الثورة لكن يبقى الجواب الذي قد نقبله أو نرفضه حسب موقعنا (أن الثورة مرحلة وبناء الدولة مرحلة أخرى تحتاج الجميع).
الحفاظ على الدولة حمى حقوق الناس ومنع الذوبان في جحيم الفوضى وأن تتحول سورية لدولة فاشلة تتناهبها صراعات شتى فكان هذا الإنجاز الأهم الذي بنيت عليه كافة الإنجازات اللاحقة التي تتسارع وتيرتها ونشهدها يوميا.
لكن الحفاظ على الدولة من خلال نهج الاستيعاب أفرز أيضا تحديات خطيرة أغرى ضعاف النفوس على محاولات التجزئة والانفصال والتي هي في الحقيقة دعوات خيانة عظمى دعوات لم تنجح سابقا لعدم توفر الشروط الموضوعية للانفصال وهذه الشروط غير متوفرة حاليا أيضا فلا يسارع البعض في أحلام اليقظة اعتمادا على وعود خارجية وتضارب مصالح مؤقت فهي ليست من الثوابت السياسية وقد رأينا تجارب بعض المليشيات المسلحة في جنوب لبنان التي عولت على الوعود الخارجية ثم تغيرت المصالح وأصبحت تلك المليشيا عبرة لمن اعتبر.
المطلوب اليوم الحفاظ على بناء الدولة وعدم السماح بإسقاطها تحت أي مسمى لأن بديل الدولة السورية ليست دويلات صغيرة قائمة وآمنة كما يروج لها بل حرب فوضوية ستطال أولا أولئك الذين يشعلونها بدعوات الانفصال .. نحن مطالبون اليوم بالحفاظ على الدولة لأنها تمثل وجودنا وأحلامنا وأفكارنا التي دفع الشعب ثمنها من أرواح ودماء أبنائه الكثيرالكثير فصور المجازر والدمار والمعتقلات والمقابر الجماعية حاضرة لن تمحى من ذاكرتنا ولانقبل أن يتكرر دفع هذا الثمن مرة أخرى.