مؤثرون من نوع ٱخر! 

بقلم | محمود جنيد ..

من حسن حظي أم من سوئه؛ لا أدري على وجه التحديد، أنني لستُ ضمن قائمة المتأثرين بما يُسمى “المؤثرين” على منصات السوشيال ميديا، على تنوعهم بين غثٍ وثمين، وهادفٍ وهابط.

 

لكن، وبعيداً عن العالم الافتراضي ومشاهيره الوهميين، ثمة الكثيرون ممن أثروا في حياتي الحقيقية بعمق:

 

عامل النظافة الذي رد على سؤالي مرةً بكل ثقة بأنه يعتبر شوارع المدينة بيته الثاني، الذي يأبى إلا أن يظل نظيفاً، ويعتبر الأطفال الذين يوجههم نصحاً كل يوم بأحاديثه البسيطة وأقواله الطيبة – ومعه عبارته اليومية المتكررة: “النظافة من الإيمان”. وذات مرة، وقد حضرت الموقف بنفسي، سألته كيف تعامل مع شخص رمى كيس قمامة من إحدى الشرفات كاد أن يصيبه، فأجاب بأنه طلب منه أن يضع الكيس أمام باب بيته، كي يمر هو كل يوم فيأخذه ويُلقيه في مكانه.

 

وجار الخير، الذي يتفقد أحوال الجيران عند انقطاع المياه، فيمد خرطوم الماء لمن لا يستطيعون التعبئة ممن لا يملكون مضخة “سنتر فيش”، بل ويُساعد بنفسه في نقل الماء إليهم.

 

والرجل الكفيف البصير، الراحل إلى ديار الحق “عفش”، حجة في اللغة العربية وأستاذها، الذي لا يفتر عن التحدث بالفصاحة، حافظ القرآن متقناً لتلاوته، لا يقطع الصلاة حاضراً في جامع “زكي باشا”، كان يقف خلف الإمام ويصحح له لو أخطأ.

 

والموظف البسيط في شركة الكهرباء، الذي أحسن تربية بناته فأوصلن بقوة إرادته إلى بر التفوق، رغم ضيق الحال، فأصبحت إحداهن طبيبة، والأخرى صيدلانية، وتفوقت الثالثة حديثاً على مستوى البلاد في الثانوية العامة، ورابعة لا تزال على نفس الطريق.

 

وأبو محمد المربي الفاضل، الذي تحول بعد التقاعد إلى العمل في مكتب عقاري، يراعي الله في الفقراء وأصحاب الحاجة، فلا يغش ولا يستغل، ويسامح ويتجاوز عن عجز من لا يقدر على العمولة.

 

والحاج حسن، التاجر، الذي أعرفه وقد تكفل منذ أربعين سنة بكثير من اليتامى والأرامل، ولم يتراجع أو ينسحب رغم تقلّب الأحوال وتغير الأزمان.

 

هؤلاء هم المؤثرون الحقيقيون في حياتي، وأمثالهم ممن لا يُعدّون ولا يُحصَون. هم نجوم العالم الخفيّة، الذين ينيرون الدرب بأخلاقهم لا بضوضاء كلماتهم المأجورة” دون تعميم”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار