بقلم مصطفى عبدالحسيب الدناور..
في لحظةٍ تُشبه خروج وطنٍ من تحت الركام، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في زيارةٍ رسمية تُعدّ الأولى من نوعها منذ عقود، فاتحًا بذلك بابًا جديدًا في العلاقات الدولية، ومُعلنًا عن بداية مرحلة سياسية تُعيد لسوريا حضورها على المسرح العالمي.
ليست هذه الزيارة مجرّد خطوة دبلوماسية، بل هي حدثٌ تاريخي يحمل في طياته رمزية العبور من العزلة إلى الحضور، ومن الحرب إلى الحوار.
الرئيس الشرع، الذي خرج من رحم الثورة، يصل اليوم إلى قلب القرار الدولي، حاملًا معه وجوهًا من إدلب، وأصواتًا من الغوطة، وخرائط من حلب، ليقول للعالم: “سوريا ليست مجرد ملف، بل شعبٌ حيّ، له الحق في الحياة والكرامة”.
تأتي هذه الزيارة في توقيتٍ بالغ الحساسية، حيث تتقاطع فيه التحولات الإقليمية مع إرهاصات التغيير الداخلي.
فمن جهة، تشهد المنطقة إعادة تموضع للقوى الكبرى، وتراجعًا في حدّة الاستقطاب، مما يفتح نافذة لسوريا كي تُعيد تموضعها.
ومن جهة أخرى، فإن الداخل السوري بات أكثر جاهزية للانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة البناء، وسط رغبة شعبية في الخروج من دوامة العزلة والدمار.
واشنطن، رغم تاريخها المعقّد مع الملف السوري، تبقى بوابةً لا يمكن تجاوزها في أي مسار دولي.
والرئيس الشرع، باختياره أن يبدأ من هناك، يُرسل رسالة واضحة: أن سوريا لا تُريد أن تبقى في خانة “الاستثناء”، بل أن تعود إلى طاولة العالم، بشروطٍ تُراعي كرامتها، وتُحاكي مصالحها.
الزيارة تحمل في طياتها ملفات ثقيلة، بعضها سياسي، وبعضها إنساني، وبعضها اقتصادي.
لكن الأهم من ذلك، أنها تُعيد تعريف الأولويات السورية في المرحلة القادمة:
– الاعتراف الدولي بشرعية المسار السياسي الجديد
– رفع العقوبات التي تُعيق التعافي الاقتصادي
– فتح قنوات الدعم لإعادة الإعمار
– تسهيل عودة اللاجئين ضمن ضمانات دولية
– إعادة بناء صورة سوريا في الإعلام العالمي
هذه الملفات لا تُحلّ في زيارة واحدة، لكنها تُفتح اليوم على طاولةٍ كانت مغلقة لسنوات.
من المنتظر أن يُلقي الرئيس الشرع خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام القادمة، يُعيد فيه تعريف سوريا أمام المجتمع الدولي.
الخطاب، بحسب مصادر مقربة، سيحمل نبرة وجدانية، ويُسلّط الضوء على معاناة المدنيين، وأحلام الشباب، وضرورة دعم سوريا في مسارها نحو التعافي، بعيدًا عن لغة الاصطفاف السياسي، وبالقرب من لغة الإنسان.
زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ليست حدثًا عابرًا، بل لحظةٌ تُعيد تشكيل الحكاية السورية.
إنها لحظة تقول فيها سوريا للعالم: “كفانا موتًا، دعونا نعيش”.
وفي زمنٍ تتصارع فيه الروايات، يبدو أن الرواية السورية بدأت تُكتب من جديد، لا بالحبر فقط، بل بالدموع التي جفّت، والأصوات التي لم تُكسر، والقلوب التي لا تزال تنبض بالأمل.
#صحيفة_الجماهير