سبحان من قد سمت في الكون قُدرتًهُ
رغمَ الشِّتاءِ حمانا إنَّهُ الباري
وقد حَبانا منَ الخيرات مَرْحَمَةً
الدفْءُ بالنور فاقَ الدفءَ بالنارِ
الدفء: إحسانٌ يسري في النفوس فترتقي، وعطاءٌ لفعل الخير ينتقي، ورحمةٌ من معانيها القلوبُ تستقي.
يتوالى انخفاض درجات الحرارة في بلادنا الحبيبة تماشياً مع انخفاض الدفء في مستوى أداء من يتولون الملفات الخدمية لشعبنا الصابر، وأمام هذا الواقع كان لا بدّ لنا أن نتحدث حديثاً دافئاً يخفف من حدة البرد ذلك الحديث الذي يعتمد في ألف بائه على حرارة الإيمان والاعتقاد الراسخ بالعدالة الإلهية.
لا شك أن شدةُ البرد مؤذيةٌ لجميع المخلوقات تماماً كشدة الحر، وبرودة الطقس تدفع الأحياء للبحث عن مصدرٍ للدفء؛ ولذا كان من كمالِ نعيمِ أهل الجنة أنهم لا تأتيهم شدة البرد، ولا شدة الحر؛ فهم في ظل دائم، واعتدال مستمر، لا حارٌّ يلفح، ولا باردٌ يلسع قال تعالى: ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: 13]
وقد وردت إرشاداتٌ وتوجيهاتٌ نبويّةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأوقات منها ما ورد في الصحيح عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنهُ كَانَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ. ، فالتبكير بإقامة الصلاة بعد الأذان منعاً من الانتظار في البرد في أمر نبوي.
كما جاء فى الحديث الصحيح الذى رواه البخاري رحمه الله: (قالت النار: ربِ أكل بعضي بعضاً، فائذن لي أن أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو من حرور فمن نفس جهنم) رواه البخاري
على أن شدة البرد لها أثر طيبٌ في موازين الأعمال إذا استقبلها المرء وفق الإرشادات النبوية فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ : إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ، قَالُوا : مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ : بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ ) رواه الدارمي والبيهقي.
وكذلك من الاعمال التي تزيد في الأجر والثواب في أوقات البرد الصيام كما جاء في الحديث الشريف: (الشتاءُ ربيع المؤمن، طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه.) رواه البيهقي في سننه الكبرى. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً) رواه النسائي.
وختاماً أذكّر القائمين على خدمة الشعب بما يُذكر عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه *كان يتعاهد رعيته إذا حضر الشتاء، ويكتب لهم قائلاً: إنّ الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإنّ البرد عدو سريعٌ دخوله، بعيدٌ خروجه.*
هذا الكلام الذي كتبه الفاروق عمر بن الخطاب قبل أربعة عشر قرناً ونيّف
اللهم ارفع عنّا وعن جميع من لا مأوى لهم شدّة البرد وأعد إلينا دفء الحياة وطهرها ونعيمها يا كريم.