حلب ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
محمد الذات محمود الصفات كذا…
وأحمدُ الخير طَبعاً أو بما كَسبا
من منبع الطُهرِ من قبل الوجود أتى..
عبر الأكابر نسلاً طاهراً نُسِبا
منذ مئات السنين والأمة الإسلامية تحتفي وتحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، ميلاد الرسول الأعظم والنبي الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخرجنا الله تعالى به من الظلمات إلى النور ومن الظلم إلى العدل والسرور.
وأحسب أنه من نافلة القول وفضوله أن نُسهب في ذكر صفات هذا النبي العظيم وخصاله لأن ذلك لا يمكن أن يحصيه مقال أو كتاب وحسبنا كلمات الله تعالى في وصفه حيث قال :{وإنك لعلى خُلقٍ عظيم}[سورة القلم:4]، {بالمؤمنين رؤوف رحيم}[سورة التوبة: 128].
لقد أمرنا ربنا أن نحتفي ونفرح برحمته سبحانه فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس:58]، وقال تعالى في موضعٍ آخر من القرآن الكريم{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[سورة الأنبياء:107] فإذا أمرنا ربنا بأن نفرح برحمته وذكر أن رحمته للعالمين هي محمد الرسول المرسل صلى الله عليه وسلم، فهذا يعني أن فرحنا مطلوب بل واجب بهذا الرسول العظيم الذي شكّل ظهوره في هذه الدنيا أعظم تحوّل للبشرية جمعاء عبر التاريخ.
وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتفى بيوم مولده بطريقته فقد روى الإمام أحمد في مسنده عندما سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الاثنين قال: (ذاك يوم ولدت فيه)، ثم إن الأصحاب رضوان الله عليهم كانوا شديدي الاحتفاء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يذكر المؤرخون أحداً قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف فكانوا يحتفلون بالذكرى في مصر احتفالاً عظيماً ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندي في كتابه ” صبح الأعشى” .
وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كما احتفلوا بعيد ميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة (488 هـ) وكذلك الموالد كلها، لأن الخليفة المستعلي بالله استوزر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي، الذي منع الاحتفالات واستمر الأمر كذلك حتى ولي الوزارة المأمون البطائحي، فأصدر مرسوماً بإطلاق الصدقات بمناسبة المولد النبوي الشريف في الثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة ( 517 هـ) وتولى توزيعها ” سناء الملك “.
ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين، ولكن الكثير من العائلات كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوي الشريف، ثم صارت رسمية في بدايات القرن السابع الهجري في مدينة ” إربل ” على يد أميرها مظفر الدين (549-630هـ= 1154 – 1233 م) وهو كوكبري مظفر الدين ابن الأمير زين الدين أبي الحسن علي كوجك بن بكتكين التركماني، أبو سعيد، الملك المعظم. الذي ولد في قلعة الموصل، وولي إربل بعد وفاة أبيه مدة، وانتقل منها إلى الموصل، وأقام بها ثم دخل الشام، واتصل بالملك الناصر صلاح الدين فأكرمه كثيرًا وتوفي بإربل. وكان له اشتغال بالحديث النبوي الشريف وله مواقف في قتال العدو بالساحل، وآثار حسنة في الحجاز وغيره. وهو أحد الأجواد و السادات الكبراء والملوك الأمجاد الذين يندر الزمان أن يأتي بمثلهم.
وقد ذكر المؤرخون أن الملك المظفر كان ينفق ليلة المولد النبوي ألف دينار، وكان يهتم بالمولد فيعمل قباباً من أول شهر صفر، ويزينها أجمل زينة، في كل منها مظاهر البهجة من إنشاد وغيره، ويعطى الناس إجازة للتفرج على هذه المظاهر. وكانت القباب الخشبية منصوبة من باب القلعة إلى باب الخانقاه، وكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف على كل قبة ويسمع الغناء ويرى ما فيها، وكان يعمل المولد سنة في ثامن الشهر، وسنة في ثاني عشره، وقبل المولد بيومين يخرج الإِبل والبقر والغنم، ويزفها بالطبول لتنحر في الميدان وتطبخ للناس.
وقد قيل في سماطه في بعض الموالد فيما حكاه سبط ابن الجوزي في كتابه “مرآة الزمان” خمسة آلاف رأس غنم مشوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية حامضة وثلاثون ألف صحن حلوى ويخص أعيان العلماء بالخلع والأُعطيات والتكريم.
واستمرت الاحتفالات بذكرى المولد في معظم البقاع الإسلامية إلى أن ظهرت الحركة الوهابية التي راحت تسوّق لكون الاحتفال بالمولد بدعة بل أخذت تنسب الكفر إلى المسلمين لأقل الخلاف معهم، وها هي تأتي إلى بلادنا وتعيث الفساد والقتل والتكفير والتدمير للبشر والحجر.
اللهمّ إنا نسألك بصاحب هذه الذكرى العطرة، نتوسّل إليك برسولك الكريم أن تعيد إلى ربوع بلادنا الأمن والأمان، وتبعد عنا الإرهاب والتكفير وأهله يا أرحم الراحمين.
قد يعجبك ايضا