اضاءات على القانون 31 لعام 2018

حلب ـ المحامي مصطفى خواتمي
نتابع القسم الرابع والأخير من المقالة المخصصة لدراسة القانون الجديد للأوقاف والذي كثر اللغط حوله.
ومن ناحية أخرى فمنذ سنوات عديدة سمع من بعض المواطنين أن الأوقاف هي من أعتى الوزارات في الدولة وعليها أن تقوم بمشاريع يعود نفعها على الناس كافة بينما يجيب المسؤولون في مديرية الأوقاف أن صلاحياتهم ضئيلة ولا يغدو عملهم عن كونه ديوان مراسلات للوزارة وأن الحل والعقد بيد الوزير.
وإن يدهم مغلولة تجاه الميزانيات والموازنات والصرف والمكافآت بمبلغ لا يتجاوز سقفه المئة ألف ليرة سورية وللإجابة على هذا السؤال بشكل قانوني بحثت في نص المادة (53) من القانون الجديد ونشرحها وفق معطياتنا المتواضعة تكون للمجلس المركزي للأوقاف موازنة خاصة مستقلة عن الموازنة العامة للدولة تصدر بقرار من وزير الأوقاف بناء على اقتراح المجلس وتمول من المصادر التالية:
1-ريع استثمار الأوقاف التي يحددها الوزير بناء على اقتراح المجلس المركزي للأوقاف .
2-عوائد استثمار أمواله .
3-نسبة يحددها المجلس سنوياً من عائدات المصحف الشريف وأرباح استثمار الشركات التي يمتلكها المجلس.
ونحن نرى أنه لا يمكن التخطيط لاقتطاع أرباح من خلال طباعة المصحف الشريف لأنه خدمة للمسلمين في سورية وغير سورية وهو عمل دعوي وخيري وخاصة أن طباعة المصحف يتم لدى القطاع الخاص في سورية.
4-نسبة يحددها المجلس من ريع استثمار الأوقاف ووارداتها في كل إدارة وقفية.
5-المنح والوصايا والهبات والتبرعات التي يقبلها المجلس وفق أحكام هذا القانون.
6-الوفر المدور من السنة المالية السابقة.
7-رصيد الأموال الموجودة في موازنته والحصة الاحتياطية الموقوفة بتاريخ صدور هذا القانون .
8-أي إيرادات مشروعة أخرى تسمح بها القوانين والأنظمة النافذة أصولاً .
وتنص المادة (56) على مشتملات أملاك الأوقاف سابقاً وحالياً بشكل مفصل وهي :
1-جميع الأموال والعقارات الموقوفة قبل صدور هذا القانون أو التي كانت تعد وقفاً بموجب تشريعات سابقة والأوقاف المضبوطة أو المعتبرة منها وقت صدور المرسوم التشريعي رقم (204) لعام 1961 وهذا المرسوم صدر بعد عمليات تصفية الأوقاف ثم ألغيت محاكم ولجان تصفية الأوقاف باعتبار أو الأوقاف الباقية متشابكة مع ملكيات خاصة وقيمتها الاقتصادية والمالية آنذاك متدنية ولقلة عدد الدعاوى الوقفية ولكن ليس انعدامها.
2-الأوقاف الخيرية وعلى الأخص الأوقاف المنشأة لجهة من جهات الخير المحصنة كالجوامع والمساجد والتكايا والزوايا ودور التوحيد والمدارس والكتاتيب والمكتبات والرباطات (دور الضيافة) والبيمارستانات (دور الشفاء) والحياض والسيلان والمقابر والمقامات والمزارات وغير المنقولة الموقوفة على الجهات المذكورة في حالتها الحاضرة وبدلاتها وفي حال اندراسها أو هدمها وهذه الأموال هي على الغالب والمثال وليس الحصر والتقييد.
3- الأوقاف غير الصحيحة وغير المشروطة وعلى سبيل المثال وبحسب الاجتهاد القضائي المستقر لا يجوز وقف العقارات التي نوعها الشرعي أميري لأن الرقبة هي بالأصل للأمير ( للدولة ) وخاصة الأراضي الزراعية الموقوفة منذ أكثر من مئة عام .
لأننا كما نعلم لم يعد عام 1949 إنشاء وقف ذري بموجب مرسوم أصدره الزعيم حسني الزعيم .
4- التخصيصات والاعانات المتعلقة بالأوقاف المدورة والخيرية .
والمقصود بالمدورة: هي الأوقاف التي لم يبت فيها بقرار مبرم ولكن السيطرة الفعلية عليها لصالح وزارة الأوقاف وذلك لعزل أو وفاة المتولي للأوقاف والناظر عليها ومن عينه الواقف في وصيته حينذاك.
5-العوائد الثابتة المحولة أو التي ستحول وتحدد عن حاصل الأعشار أو غيرها من المداخيل العمومية المخصصة للأوقاف الخيرية.
والأعشار هي خاصة بالزكاة عن المحاصيل الزراعية وهي نوعان للمحاصيل المروية والمحاصيل البعلية وتحتاج لشرح مفصل ليس مجاله هنا.
6-الأوقاف الخيرية التي يكون نصيب المتولي عليها مفوضاً إلى رأي القاضي الشرعي أو غيره ممن لا علاقة شخصية لهم بالوقف.
وكنا قد تقدمنا بدراسة حول تصفية الأوقاف القديمة بشكل نهائي باعتبار أن قيمتها ارتفعت بعد مرور سبعة عقود على آخر تقييم لها عام 1949 وبسبب التهدمات الحاصلة فيها.
وجعل الاختصاص فيها للقاضي الشرعي الأول أو المحكمة الشرعية بصفة خصومة وليس ولاية.
7-أوقاف الحرمين الشريفين وهما وقف مضى عليهم أكثر من قرن وحان الوقت لتصفيته أصولاً .
8-أملاك وأوقاف وأموال الجمعيات الإسلامية المنحلة متى اكتسبت هذه الصفة بموجب صكوك إحداثها .
وهنا لنا تحفظ حول هذا البند فالجمعيات لها قانون خاص برقم 93 لعام 1958 ويسمى ( قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة) والمؤسسات الخاصة هي خيرية ولا تهدف للربح مثل : مؤسسة جورج ومتيليد سالم والقانون ينص في حال حل جمعية وتصفية أموالها فإن هذه الأموال تؤول الى أقرب جمعية لها ذات الأهداف الخيرية .
وهكذا عندما حلت جمعية (اسعاف الفتاة اليتيمة) في الستينيات فقد آلت أموالها الى جمعية (الفتاة اليتيمة) ولا سيمات العقارات التي كانت تقع في وجيبة القصر البلدي من الجهة الشمالية وذلك بالقرب من قيادة المنطقة الشمالية.
وكذلك عندما حلت (جمعية النهضة الإسلامية) و(جمعية المقاصد الخيرية) في الثمانينيات من القرن الماضي فقد آلت أموالهما الى أقرب جمعية خيرية تحمل ذات الأهداف.
فالقانون أهم من صك الأحداث ما لم يكن مخالفاً للنظام العام والآداب العامة.
9ـ الأوقاف الإسلامية التي آلت لجهة الخير، والأوقاف والجوامع والمساجد والمؤسسات الخيرية المسجلة باسم بيت المال أو خزينة الدولة أو أملاك الدولة أو البلديات وغيرها من الإدارات العامة.
وهنا لنا تحفظ آخر قانوني بالطبع، لأن أموال بيت المال أو بيت مال المسلمين أو خزينة الدولة أو أملاك الدولة تؤول ملكيتها الى وزارة المالية ولكن لما صدر القانون رقم 31 لعام 2006 والخاص بالطوائف الكاثوليكية ونص على أن أموال المتوفين من الطائفة الكاثوليكية والذين ليس لهم ورثة تؤول أموالهم المنقولة وغير المنقولة الى الطائفة بدلاً من وزارة المالية كما كان الحال سابقاً.
لذلك فإن النص الجديد جاء رداً على ذلك ونحن كدولة تسير على طريق المواطنة والجنسية العربية السورية والوطن الواحد والشعب الواحد .
نرى إلغاء هذين النصين وأن تكون المواطنة هي الأساس وليس الدين أو المذهب.
وتؤول تلك الأموال الى وزارة المالية أصولاً.
10ـ الأوقاف الذرية التي قامت الدوائر الوقفية بإدارتها مدة خمس عشرة سنة من تاريخ نفاذ المرسوم رقم /204/ لعام 1961 ولم يطالب بها تولية أو استحقاقاً.
والحقيقة إن محكمة ولجنة تصفية الأموال والعقارات الوقفية قد ألغيت قبل عام 1961 ولذلك وخلال الخمسة عشر عاماً التالية لها والتي يعتبر القانون مجرد سريانها بمثابة تقادم مسقط للحقوق بحسب منطوق الفقرة المذكورة لم يأت مصادفاً مكانه القانوني السليم للسببين التاليين:
1ـ الحقوق المسجلة في السجل العقاري بعد التحديد والتحرير لا تسقط بمرور خمسة عشر عاماً.
2ـ لم يبق هناك محاكم مختصة لوقف هذا التقادم فكيف ستقام الدعوى بالمطالبة تولية أو استحقاقاً لعين العقار؟
فلو لجأ المدعي للمحاكم المدنية لأصدرت قرارها بعدم الاختصاص.
وكذلك لو قام المدعي بإقامة دعوى لدى المحاكم الشرعية فسوف تلاقي ذات المصير والرد شكلا لعدم الاختصاص.
لذلك نرى إعادة تلك المحاكم لتصفية ما تبقى من أوقاف ذرية أو خيرية وغيرها.
حفاظاً على حقوق المالكين أو أصحاب حقوق الانتفاع أو الارتفاق أو السطحية أو الإجارتين أو الحكر أو أي حق آخر خاصة وإن الملكية في السجل العقاري وحقوق الانتفاع ووجود الإشارات والحجوز توقف هذا التقادم ومن ناحية أخرى لمعرفة مصير كل دعوى مقامة وتبليغ الورثة بشكل قانوني وحتى يعود كل صاحب حق الى حقه وعلى من يدعي أنه صاحب حق أن يقتنع بصدور حكم قطعي عادل من محكمة مختصة وينتهي الأمر بشكل كامل.
ومن الناحية الدينية والأخلاقية فمن غير المعقول ولزيادة ملكية الأوقاف أن تلجأ الى غصب العقارات بالحياء تارة والسكوت ومرور الوقت تارة أخرى.
وكذلك في إخراجها من الذمة المالية لأصحابها ومن ملكيتهم التي صانها الدستور الحالي وحماها على مدار قرن مضى.
وخاصة، أن الدستور الحالي منع أن تكون القرارات الإدارية مبرمة ومحصنة ويجب أن تكون خاضعة لإحدى طرق الطعن والمراجعة القضائية.
11- جميع الأشياء التي كانت سابقاً أو التي أصبحت لاحقاً أجزاء متممة للعقار الوقفي أو من ملحقاته أو التوابع اللازمة له أو للانتفاع به وهذا ما يسمى عقار بالتخصيص لأن إلغائه أو عدم وجوده أو بدونه لا يمكن الانتفاع بالعقار على الوجه المخصص له أو لا يمكن الانتفاع على الوجه الأمثل أو على أقل تقدير لا يمكن الانتفاع به بشكل طبيعي .
وتنص المادة /58/ من القانون رقم 31 لعام 2018 على ما يلي:
(تنتقل ملكية الأوقاف المفصلة في المادة السابقة وهي المادة /57/ حكماً إلى الوزارة وتسجل باسم الدائرة الوقفية التي تتبعها مكانياً).
وهذا الأمر طبيعي بعد انتهاء مدة الطعن القضائي فيها وتصبح ملكية خالصة لا شائبة فيها وتحوز قوة القضية المقضية .
وجاءت المادة /59/ لتؤكد على ما هو معروف في أموال الأوقاف في كل دول العالم العربي والإسلامي وفي التصرفات الجارية عليها وفق الاجتهاد الفقهي المستقر منذ أربعة عشر قرناً خلت من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
1- لا يجوز بيع الأوقاف ولا التنازل عنها بالمجان ولا ببدل ولا انتقالها بطريق الإرث ولا رهنها ولا عقد التأمين عليها أو الرهن الحيازي وغيره.
2- تطبق الامتيازات المقررة للعقارات المملوكة والمقررة في المادة /1120/ من القانون المدني وفي غيره من القوانين السورية.
والعلة في ذلك أنها مخصصة للمنفعة العامة بمقتضى القوانين النافذة وذلك على عقارات الأوقاف ويمكن زيادة تلك الضمانات بقرار من مجلس الأوقاف المركزي.
والسؤال الذي يخطر على الأذهان أنه منذ سنتين تم تنازل وزير الأوقاف عن مساحة /300/ دونم في محافظة طرطوس – المنطقة تقع جنوب شرق طرطوس إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة.
وهي منطقة مخالفات سكن جماعية أي غير مخططة وسكن عشوائي فهل كان ذلك استبدال للعقار الوقفي أم تنازل ببدل أو تنازل مجاني؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار