حلب ـ المحامي مصطفى خواتمي
بعد مرور أكثر من سنتين على تحرير حلب وبعد أن قامت وحدات الهندسة التابعة للجيش العربي السوري بتفكيك العبوات الناسفة وغيرها من الألغام الفردية والجماعية المزروعة في أماكن متعددة من المباني السكنية والمدارس والمشافي والمصالح الحكومية.
وبعد عودة السكان إليها والإقامة فيها فقد تم جرد الأبنية المتصدعة من قبل نقابة المهندسين التي قامت مجاناً بذلك العمل.
وفي حالة وجود أبنية آيلة للسقوط وبشكل ظاهر فقد تمت إحالتها بموجب جداول للكشف عليها من قبل لجنة السلامة العامة للبناء والمؤلفة من /7/ مهندسين من أصحاب الخبرة يمثلون مجلس المدينة ونقابة المهندسين وكلية الهندسة المدنية والمعمارية وهذه اللجنة على مستوى عال من الكفاءة العلمية والمهنية.
ومن ناحية أخرى، فالسيد محافظ حلب يستقبل الإخوة المواطنين يوماً في كل أسبوع لحل مشاكل المواطنين الذين يبلغ عددهم وسطياً حوالي 100 مراجع،
ويبحث معهم الشكاوى حول الخدمات كافة من ماء وكهرباء وهاتف وتعثر بعض المعاملات ودور الروتين المقيت في تأخير الخدمة المطلوبة، ومن تلك الشكاوى ما يخص الريف المحرر بشأن طرق المواصلات والمخابز والخدمات الفنية ودور مؤسسة أبنية التعليم وترميم المدارس وغيرها ويحيلها إلى الجهات المختصة أصولاً.
وكذلك فقد خصص السيد رئيس مجلس المدينة يوم السبت من كل أسبوع لاستقبال شكاوى المواطنين فيما يخص مجلس المدينة لقطاعات المخطط التنظيمي وضابطة البناء والمقابر والمطافئ والحدائق والشوارع والاستملاكات والمخالفات العمرانية وهنا بيت القصيد فما زالت المخالفات مستمرة وعواقبها مؤلمة والسبب في ذلك الفقر واستهتار تجار المخالفات بأرواح الناس مقابل حفنة من الدراهم.
والحديث مستمر عن الأبنية الآيلة للسقوط والغاز والمازوت ودور المخاتير ولجان الأحياء في تنظيم تلك الخدمات.
وكذلك يكون محور الشكاوى حول البسطات والبراكات وتزفيت الشوارع وتبليط الأرصفة.
ومن ناحية ثانية، فقد تشكلت فرقاً عدة من الجمعيات الأهلية والأوقاف ومديرية الآثار لتقييم وضع الأبنية المتصدعة في حلب الشرقية وخاصة في الأسواق والخانات القديمة والحمامات والبيمارستانات ووصف حالتها الإنسانية بالتنسيق والتعاون مع مديرية حلب القديمة التابعة لمجلس مدينة حلب لأن هناك ملكيات متداخلة مع مجلس مدينة حلب التي تملك عدة آلاف من العقارات.
بينما تملك مديرية الأوقاف بحلب أبنية قديمة عبارة عن أسواق موقوفة وجوامع يبلغ عدد محاضرها حوالي عشرة آلاف عقار.
وحيث أن أغلب الأبنية القديمة يعود تاريخ بنائها إلى ما قبل عام 1939 وليس لها مخططات هندسية ولا رخصة بناء لدى بلدية حلب ولم يكن مطلوباً التوقيع من قبل مهندس دارس أو منفذ أو مشرف على التنفيذ، فإن إعادة ترميم البناء أو بنائه بشكل كامل لأنه مهدوم كلياً قد تكون بدون دراسة سابقة وخاصة دراسة ميكانيك التربة والسبر الجيوفيزيائي لها من حيث متانة التربة وغيرها من الشروط الفنية وخاصة أنه لا توجد شركات مقاولات ضخمة بحلب قادرة على إعادة الإعمار والترميم لأحياء كاملة وبكفالة العقار ذاته، لأن أغلب تلك العقارات أثرية تاريخية أو ملكيات ورثة يزيد عددهم على العشرين أو متداخلة مع ملكيات وقفية أو البلدية أو عليها مخططات تنظيمية بالهدم أو مستملكة.
أما الطامة الكبرى فهي المناطق العشوائية البالغ عددها 26 منطقة مخالفات جماعية فوصف العقار لدى مديرية المصالح العقارية بحلب هو أرض سليخ لزرع الحبوب أو أرض معدة للبناء لكنها في الواقع أحياء سكنية بكل معنى الكلمة كما هو الحال في الكروم الشرقية التي كانت مزروعة بالفستق والزيتون وهي الكروم الممتدة من دوار جسر الحج إلى دوار الصاخور.
وإننا نرى أن المسؤولية تقع على ما يلي:
1- أعضاء مجلس مدينة حلب، وهم الذين يمثلون مدينة حلب بشكل رسمي وشعبي وواجبهم نقل هموم ومشاكل السكان وأهمها: حقهم في الحصول على مسكن آمن وحقهم في الحياة وكذلك وضع الآمال المستقبلية لحياتهم وحياة أولادهم.
2- القاطنين في البناء، سواء كان البناء مخالفاً وبدون ترخيص، وهي مسؤولية مضاعفة، أو كان البناء قانونياً ومرخصاً من بلدية حلب، وكما يقول المثل: ما حك جلدك مثل ظفرك.
3- المخاتير ولجنة الحي، فدورهم مهم في التأكد من صلاحية البناء وسلامته وخاصة أنه لم يطبق قانون هيئة الشاغلين رقم /55/ لعام 2002 وبقي حبراً على ورق في مدينة حلب بينما طبق في دمشق وأثبت نجاحاً.
4- لجنة السلامة العامة، وتوجد في حلب لجنتان لأن لجنة واحدة لا تكفي لمدينة كبيرة وأعضاؤها من نقابة المهندسين وبلدية حلب وجامعة حلب وقراراتها إلزامية.
5- القطاعات ودوائر خدمات مجلس المدينة المنتشرة في أحياء المدينة وفيها عدد لا بأس به من المهندسين أصحاب الخبرات الفنية.
6- الصحافة ودور الإعلام في التوعية فهذا المقال نوع من الرقابة الشعبية والإعلامية على المشكلة السكنية.
7- صاحب العقار فيما إذا كان العقار مؤجراً، وهنا تبرز مشكلة الهلاك الكلي والجزئي التي نصت عليها المادتين /535 و537/ من القانون المدني السوري.
وهنا تتضارب المصالح بالإخلاء عن طريق القضاء أو الترميم من قبل مستأجر العقار حتى لا يضيع عليه حق الفروغ الذي قد يصل إلى ملايين الليرات السورية وكما يقال: (المال يعادل الروح) ويبقى المستأجر في البناء ولو لم يدفع للمالك بدلات الإيجار وقد لا يطالب المالك بالإيجار لغاية في نفسه وهي الإخلاء بدون دفع أي مبلغ مالي وقد يبقى الموضوع معلقاً لسنوات عدة بدون ترميم ولو كان العقار خطراً على ساكنيه ويقولون (الحامي هو الله) ولكن الطمع هو السبب.
8- المؤسسة العامة للمياه، فقد قامت بتغذية الأحياء بناءً على طلب الساكنين وبعض قساطل المياه في تلك المناطق يسيل على قارعة الطريق وبعضها يصل إلى الأبنية الطابقية من موزع المياه الأم (البرشمان) وبعض الشقق بدون عدادات أو وصلاتها مكسورة أو تمديداتها الصحية مدمرة وبحاجة إلى إصلاح ما أدى إلى أن المياه تتراكم في الأقبية غير المسكونة والأساسات ضعيفة والتي لا يزيد عمقها في الأصل على متر أسفل البناء فأصبح هناك تخلخلاً في التربة وربما تم كشف الأساسات للاستفادة في تحويل القبو أو الملجأ إلى دار للسكن أو ورشة صناعية أو حرفية ما يؤدي إلى تصدع البناء.
وإننا نرى أن أغلب الأبنية المتهدمة هي أبنية مخالفة للمواصفات الإنشائية وغير مرخصة قانوناً. علماً أن عدد مناطق المخالفات الجماعية قبل الحرب على سورية كانت 23 منطقة ولم تستطع الدولة معالجتها ومن أغلبها كانت المشاكل التي أدت إلى الدمار والقتل.
وبعد الحرب قد أصبحت 26 منطقة مخالفات وبناء عشوائي. وفي هذه المناطق أبنية غير سليمة بالجملة الإنشائية وغير آمنة وقد بنيت على عجل ودون دراسة هندسية وبحاجة إلى تدعيم أو هدم البناء غير السليم وبسبب الحرب فقد تصدعت بفعل الأعمال الإرهابية ثم ازداد الطين بلة فجاءت المياه العذبة والمالحة فأحدثت خفساً في التربة وجاءت الأمطار فتهدمت وسقطت من تلقاء ذاتها وخاصة أنه لا توجد فيها جسور مسلحة بالحديد أو جدران حمالة من البيتون المسلح أو أحجار اللبن الغشيم السميكة كما هو حال معظم الأبنية في حلب.
ومن ناحية وقائية، لا توجد لدى مجلس مدينة حلب أبنية بديلة لحالات الطوارئ يمكن نقل الأهالي إليها لإعادة تدعيمها وأعتقد أنه بإمكان مجلس المدينة بناء مخيمات أو عربات سكنية مثل الموجودة في الخناقية – خلف مدرسة حطين ووضعها في أماكن محددة بشكل مؤقت أو بناء عمارات سكنية للإيواء وللمنذرين بالهدم أو تقديم مساكن شعبية مؤقتة ريثما يتم التدعيم بشكل أصولي وفق الدراسات الهندسية التي تعدها الجهات المختصة، فقد عانت حلب كثيراً ولا يمكن أن تأتي ظاهرة الأبنية المتهدمة لتنكأ الجروح من جديد وتظهر مشكلة جديدة تعيق حركة الإعمار في حلب.