حلب ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
طريقُ المجدِ تملأه الصعابُ..
وكم سارَ الأنام به وآبوا
لنسعى والشبابُ لنا مُعينٌ..
ومن يبني إذا غابَ الشبابُ
يعتمد المجتمع في بنائه وتطوّره على الشباب بشكلٍ كبير، إذ هم الطاقة التي يرتكز عليها في الشدائد، فهم منبع القوة وآلة الإنتاج، وهم أمل المستقبل في هذه الحياة.
لذا فإن أهمية مرحلة الشباب لا يمكن التغاضي عنها في البناء لذلك يتكرر السؤال عنها مرتين يوم القيامة؛ كما ورد في الحديث النبوي فعن ابن عمر عن ابن مسعود رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم”.رواه مسلم.
ولقد توجّه أعداء الأمة ومنذ وقت مبكرٍ إلى هذه الفئة واستهدفوها تضليلاً وتشويهاً وتقزيماً لقدراتهم وذلك ليبتعدوا عن النهج الصحيح ويكونوا منحرفين في حياتهم.
والانحراف في اللغة هو الميل إلى الحرف أي الطرف، وهو العدول عن الشيء، فالانحراف هو الخروج عن جادة الصواب، والبعد عن الوسط المعتدل، وترك الاتزان.
وتعود أسباب انحراف الشباب غالباً لعوامل خارجية وداخلية.
أما العوامل الخارجية فتتمثل في توجهه جهات ذات مآرب شريرة، وذلك لتستخدم الشباب لتنفيذ مخططاتها تماماً كما حدث في المؤامرة على وطننا حيث كان الشباب هم الفئة الأكثر تضليلاً واستخداماً في تلك الحرب الظالمة لتحقيق أهداف العدوان.
وأما العوامل الداخلية فهي التي تأسس للإنحراف في بذرة المجتمع وخليته الأولى وهي الأسرة في تربيتها المنحرفة، وهناك الفراغ والسير في الحياة بلا هدف.
يؤكده علماء الاجتماع والتربية أن وراء إجرام الشباب تربية بائسة، أو طفولة مشردة، أو أسرة تعسة، أو عائلة مفككة، أو توجيه خاطئ، أو معاملة قاسية، وإذا فقدت الأسباب اختفت المسببات، لذلك اعتبر الإسلام الأسرة مسؤولة عن تربية الطفل، وحماية الشباب من الانحراف، وأن كل ما يصدر عنهم يتحمل الأبوان نتائجه، ويقع عليهم مسؤوليته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء، هل تُحِسون بها من جَدْعاء).
ولعل الحلول الناجعة للتخلص من انحراف الشباب تتمثل في الاهتمام بتنشئتهم على الأخلاق الحميدة والفضيلة وتعاليم الشريعة الإسلامية، وتتحمل الحكومات مسؤولية كبيرة في رعاية الشباب وتأهيلهم، والقضاء على أسباب انحرافهم، ووضعهم في مسار العمل النافع والإنتاج البنّاء.
وفي وطننا الغالي ينبغي أن تتضافر الجهود لتصحيح المسار الفكري للشباب الذين وقعوا تحت تأثير المتآمرين من الإرهابيين والتكفيريين الذين استغلوا التقصير التربوي والفراغ وقلة المال فقاموا بملئ الفراغ في حياة الشباب، وزرع الأفكار السامة في عقولهم، ودفعوا لهم الأموال ليكونوا طوع أمرهم.
لذلك كله ينبغي علينا كمجتمع ومؤسسات أن ننطلق بدورات تدريبية لإعادة تأهيل الشباب ولندفعهم لانخراطهم في الحياة.
رقم العدد 15589