سليم عشيش الأمين العام لحزبِ حركةِ النضالِ الوطنيِّ التونسيّ: القِوى الوطنيّةُ مُطالَبةٌ بمضاعفةِ اليقظةِ للتّصدي لمحاولةِ تمريِر التطبيعِ مع العدوّ الصهيوني
الجماهير ـ بيانكا ماضيّة
للأحزابِ العربيّةِ الوطنيّةِ رؤى وأفكارٌ ومواقف تجاهَ المخططِ الاستعماريِّ الصهيو ـ أمريكيِّ للوطنِ العربيّ، وقد عبّرتْ عنها في بياناتِها المتعددة، وأوّلُها موقفُها مما سمّي (ثوراتُ الربيعِ العربيَّ) التي نظرت إليها بعينِ الريبةِ؛ لإدراكِها بما يحاكُ للأمةِ العربيّةِ من أجلِ تصفيةِ القضيةِ المحوريّةِ الأمِّ، القضيّةِ الفلسطينيّة. وتتالت مواقفها التي أكدت فيها مبادئَ الخطِّ الوطنيِّ المتمسّكِ بالعروبةِ، ودفاعَها المستميتَ عن قضايا الأمةِ العربيّةِ.
وقد عُرفت حركةُ النضالِ الوطنيِّ في تونسَ منذ بداية ما سمّي بثورات الربيع العربيّ، بموقفِها الرافضِ لهذا الربيعِ العبريّ، إذ حذّرت من برنامجِ تفكيكِ العالمِ العربيِّ الذي يقبعُ خلفَ هذه الثورات، ومن فرضِ التطبيعِ على الدولِ العربيّةِ كلها، وتكاد تكون هذه الحركةُ الحزبَ الوحيدَ في تونسَ الذي حذّرَ من مخاطر ما عرف آنذاك بـ “ثورةِ الياسمين”.
وبمناسبةِ انعقادِ القمّةِ العربيّةِ في تونس، وما جاء أخيراً من توقيعِ الرئيسِ الأمريكيّ ترامب على ما سُمّي وثيقة الجولان، والتي أعطى بموجبِها الجولانَ السوريَّ للكيانِ الصهيونيِ، كان للـ (الجماهير) لقاءٌ مع الأمينِ العامِ لحركةِ النضالِ الوطنيِّ السيد سليم عشيش، وخاصّة بعد إصدارِ الحزبِ بياناً ندّدَ فيه وشجبَ هذا التصرّفَ الأهوجَ المعبِّرَ عن نهجِ الغطرسةِ الأمريكيّةِ في تعديها على الحقوقِ العربيِّة، ضاربةً بعرضِ الحائطِ المجتمعَ الدوليَّ وقراراتِ أممِه المتّحدة.
وانطلاقاً من رؤيةِ حزبِ حركةِ النضالِ الوطنيِّ القوميّةِ تجاهَ القضايا العربيّةِ، وخاصةً الحربَ على سورية، والقضيّةَ الفلسطينيّةَ، كان سؤالنا للسيد عشيش عن نظرة الحزب إلى الدورِ الأمريكيِّ في المنطقةِ العربيّةِ؟! فقال:
“الأحرى أن نتحدَّثَ عن إستراتيجيةٍ أمريكيّةٍ في المنطقةِ العربيّةِ، وليس عن مجرَّدِ دورٍ. وهذه الإستراتيجيةُ التي تعودُ إلى أكثر من قرنٍ ترتكزُ إلى ثوابت، أوّلُها منعُ الوحدةِ العربيّةِ، والسيطرةُ على منابعِ النفطِ وطرقِ توزيعِه من بحارٍ ومضائقَ، وهو الدورُ الموكولُ للكيانِ الصهيونيِّ في فلسطينَ، والذي يدعّمُ بشكْلٍ سخيٍّ ومتصاعدٍ، حتى يؤمِّنَ استنزافَ الأمّةِ ومنعَ وحدتِها.
وتنسجمُ السياساتُ الأمريكيّةُ في العشريّةِ الأخيرةِ (فترةَ ما سمُّي بالربيعِ العربيّ) مع هذه الثوابتِ والأهدافِ، هي عشريّةُ ضربِ الدولِ الوطنيّةِ استكمالاً لما تمَّ من احتلالٍ مباشرٍ للعراقِ من قِبلِ الأمريكانِ، وسَعياً لإجهاضِ مُنجزاتِ محورِ الصمودِ والمُقاومةِ من تحريرٍ لجنوبِ لبنانَ سنة 2000، وفرضِ توازنِ الرُّعبِ مع العدوّ في 2006 في لبنانَ، و2008 في فلسطينَ. واستهدافِ سوريةَ التي أمنتْ، باقتدارٍ وشجاعةٍ وصبرٍ، قيادةَ محورِ المقاومة.
إن الدورَ المباشرَ للأمريكانِ في وطنِنا العربيِّ اليومَ هو تأمينُ الكيانِ الصهيونيِّ، والحفاظُ على وجودِه، والسعيُ لفرضِه “كدولةٍ يهوديّةٍ” خالصةٍ تطالُ يدُها كلَّ الأقطارِ العربيّةِ، وحتى دولٍ أخرى في العالم”.
موقفُ حركةِ النضالِ الوطنيِّ من الحربِ على سورية
وقد أصدرَت حركةُ النضالِ الوطنيِّ بياناً آخرَ يخصُّ دعوةَ جامعةِ الدولِ العربيّةِ لعودةِ سوريةَ إليها، اعتبرت فيه أنَّ حضورَ سورية شرطٌ لابدَّ منه للقطعِ مع منظومةِ الربيعِ العبريِّ التي دمّرتِ العالمَ العربيَّ. عن موقفُ حزبِ حركةِ النضالِ الوطنيِّ التونسيِّ من الحربِ على سورية، منذُ انطلاقةِ شرارتِها، يشير السيد سليم إلى أنَّ الحزبَ “عبّرَ بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ أنَّ ما حدثَ في درعا دُبِّرَ بليلٍ، وليس سوى استكمالٍ لما حدثَ في تونس وليبيا واليمن ومصر، من فصولِ خطّةٍ أمريكيّةٍ واضحةِ المعالمِ؛ لتفكيكِ الدولِ الوطنيّةِ في الأقطارِ العربيّة. وأكَّدَ أن سوريةَ تُستهدفُ بالشّكلِ الأكثرِ شراسةٍ؛ لأنَّها قلبُ العروبةِ، وحاضنةُ محورِ المقاومة، وصمّامُ الأمانِ لمنعِ تصفيةِ قضيّةِ فلسطين. ولذلك لعبَ حزبُنا دوراً بارِزاً في التصدّي لما سُمّي باطلاً “مؤتمرُ أصدقاءِ سورية” الذي عُقد في تونسَ بتغطيةٍ سياسيّةٍ من الحكمِ الإخوانيِّ لحركةِ النهضة، كما لعبَ حزبُنا دوراً مُهمّاً في فضحِ مؤامرةِ تسفيرِ الدواعش من تونسَ؛ لاستهدافِ سوريةَ الشقيقةَ، شعباً وقيادةً وجيشاً. وأكَّدَ حزبُنا – من خلالِ الوفودِ التي تشرَّفتْ بزيارةِ دمشقَ، والالتقاءِ بسيادةِ الرئيسِ بشار الأسد والقيادةِ السورية، ومن خلالِ استقبالِها للوفدِ الثقافيِّ السوريّ لمدةِ 10 أيامٍ بتونسَ وللوفدِ الإعلامي السوريّ- موقفَه الثابتَ في دعمِ سوريةَ، قيادةً وجيشاً وشعباً، ورفضَه المؤامرةَ التي استهدفتْ ولا تزالُ، سورية”.
محاولات التطبيع ستؤولُ إلى فشلٍ ذريعٍ
وبما أنَّ الوضعَ العربيَّ الراهنَ يتطلَّب يقظةً ووحدةَ صفوفِ القوى الوطنيّة؛ لمواجهةِ المؤامراتِ التي تحاكُ ضدَّ محورِ المقاومةِ الذي يحقِّقُ انتصاراتٍ في سوريةَ وفي فلسطين، كان سؤالنا عن رؤيةِ الحزبِ لهذا الموضوعِ، وخاصة ما يتعلَّقُ بمحاولاتِ الاختراقِ الصهيونيِّ عبرَ حملاتِ التطبيعِ مع الكيانِ الصهيونيّ؟! وقد قال السيد عشيش:
“ما فتئتِ الإداراتُ الأمريكيّةُ المتعاقبةُ منذُ معاهدةِ كامب دافيد تشتغلُ على دفعِ الأنظمةِ العربيّةِ للاعترافِ بالكيانِ الصهيونيِّ، والتطبيعِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والثقافيِّ معه، لكنَّ محورَ الصمودِ والتصدي بقيادةِ سوريةَ، قاد جبهةً شعبيّةً واسعةً على امتدادِ خريطةِ الوطنِ العربيّ؛ لرفضِ هذا التطبيعِ، مما جعلَ نتائجَ هذه السياسةِ الأمريكيّةِ خجولةً”.
ويتابع: “والآن، وبعدَ فشلِ أوسلو، وكلِّ مخرجاتِ سياساتِ التفاوضِ مع العدوِّ، وبعدَ تحقيقِ المقاومةِ منجزاتٍ ملموسةً بفعلِ الكفاحِ المسلَّحِ، وبعدَ نجاحِ سوريةَ في إجهاضِ مؤامرةِ الربيعِ العربيِّ وقضائِها باقتدارٍ على أذرعِ أمريكا المحليّةِ من دواعشَ ونصرةٍ وغيرهما من الأدواتِ الإرهابيّةِ المتأسلمةِ، فإن القوى الوطنيّةَ في المناطقِ المخترَقَةِ (الخليج) والحلقاتِ الضعيفةِ كتونسَ وليبيا واليمن، مطالبةٌ بمضاعفةِ اليقظةِ للتّصدي لمحاولةِ تمريِر التطبيعِ مع العدوّ. ونحنُ نستشرفُ أنَّ هذه المحاولاتِ التطبيعيّةَ ستؤولُ إلى فشلٍ ذريعٍ نظراً لأصالةِ شعبِنا العربيِّ ووعيِه، وإدراكِه الطبيعةَ المعاديةَ للصهاينةِ وكيانِهم المصطنع”.
انعكاساتُ الانتصارِ السوريِّ على الشعب التونسيّ
وعن انعكاساتُ الانتصاراتِ التي حقَّقها الجيشُ العربيُّ السوريُّ وقواتُه الحليفةُ على محورِ الشرِّ في المنطقةِ العربيّة، ودحرِ أدواتِه العميلةِ منها، لاسيما داعشَ والنصرة، على الشعبِ التونسيِّ الشقيقِ، وخاصة اليوم في تنديدِهم بتوقيعِ ترامب على ما سُمّي وثيقةُ الجولان السوريّ، يقول:
“إنَّ الطيفَ الواسعَ من شعبِ تونسَ الذي يكنُّ لسوريةَ حباً خاصّاً، يمتنُّ لسوريةَ ما تحمَّلتْه من أعباءِ مؤامرةِ الربيعِ العربيّ، ويثمِّنُ انتصاراتِها الباهرةَ، ودحرَها الاحتياطيَّ التكفيريَّ الإرهابيَّ للأمريكان، والتي ستشكِّلُ عاملاً مساعِداً لتونسَ، وللأقطارِ الأخرى كافةً، لتجاوزِ الآثارِ المدمِّرةِ التي لحقتْ بوطنِنا العربيِّ منذُ بدايةِ عامِ 2011”.
مؤكداً “أنَّ شعبَ تونسَ ينظرُ بعينِ الغضبِ للأسلوبِ العقابيِّ الذي تسلُكُه إدارةُ المخبولِ ترامب في إعلانِ ضمِّهِ الجولانَ لكيانِ العدوِّ، ويعبِّرُ عن رفضِه هذا الإعلانَ، ووقوفِه مع الشقيقةِ سورية في دفاعِها المشروعِ عن سيادتِها الترابيّةِ، وفي حقِّها الكاملِ في استرجاعِ الجولانِ العربيِّ المحتلّ، تماماً كتمسُّكِه بعروبةِ فلسطينَ من النهرِ إلى البحر”.
رسالةُ الحزبِ إلى الحكوماتِ العربيّة
وتزامناً مع القمّة العربية التي انعقدت في تونسَ في الأمسِ في ظلِّ تطوراتٍ خطيرةٍ على المستوياتِ العربيةِ والإقليميّةِ والدوليّةِ، كان لحزبِ حركةِ النضالِ الوطنيِّ رسالةٌ إلى الحكوماتِ العربيّةِ عشيةَ انعقادِ هذه القمّة، وقد حدّثنا السيد سليم عنها بالقول:
“ليس بمقدورِنا انتظارِ الكثيرِ من القمّةِ العربيّةِ لتونسَ، فتغييبُ سوريةَ عنها يجعلُها عاجزةً عن تحقيقِ اختراقٍ في الموقفِ الرسميِّ العربيِّ، وإنَّ حزبَنا يتوجَّهُ إلى هذه القمّةِ بأن تنتهيَ إلى توجيهِ الدعوةِ إلى سورية،ٍ لتتبوأ من جديد دورَها التوجيهيَّ الحكيمَ الذي استطاعَ مواجهةَ نهجِ الاستسلامِ وتحجيمِه، واستطاعَ حمايةَ حقِّ الأمّةِ في المقاومةِ، كما ندعو الملوكَ والرؤساءَ والأمراءَ العربَ إلى الكفِّ عن دعمِ المجموعاتِ المسلَّحةِ التي تلحِقُ الأذى بوطنِنا وشعبِنا العربيِّ، كما ندعوهم إلى نبذِ الخلافاتِ والكفِّ عن شرذمةِ الأمّةِ وتشتيتِ صفوفِها وتضييعِ ثرواتِها ومقوّماتِها”.
الخيارُ الوحيدُ لاسترجاعِ الحقوق
وحولَ الخيارِ الوحيدِ المتبقي لمحورِ المقاومةِ وروسيا وحلفاءِ سوريةَ للوقوفِ في وجهِ العربدةِ الأمريكيّةِ الصهيونيّةِ في المنطقةِ العربيّة، وخاصة ما يتعلقُ بمحاولاتِها تقسيمَ سورية بعد أن عجِزَ الإرهابُ المصدّرة له عن تحقيقِ مآربِها هذه، يقول:
“إن سوريةَ التي تتعرَّضُ لمؤامرةٍ خطيرةٍ جداً، يجب أن تكونَ منسجمةً مع مخرجاتِ تجربتِها طيلةَ السنواتِ الثماني الأخيرةِ القائمةِ على الصبرِ والصمودِ والتعويلِ على جيشِها وحلفائِها في محورِ المقاومةِ ودعمِ روسيا؛ لاستكمالِ تحريرِ إدلبَ، ومنطقةِ التّنفِ، ووأدِ الأطماعِ الطفيليّةِ التركيّةِ ومنعِ مخطّطِ التقسيم”. مختتماً كلامَه بالقول: “إنَّ وحدةَ الجبهةِ الداخليّةِ وتواصلَ التصاقِ القيادةِ السوريةِ، وعلى رأسِها سيادةُ الرئيسِ بشار الأسد، بهمومِ ومتطلباتِ شعبِه، سيشكِّلُ أفضلَ ضمانةٍ لتضييقِ الخناقِ على خططِ العدوِّ، وإفشالِ سياساتِ الحصارِ السياسيِّ والاقتصاديِّ التي يمارسُها، وسترتدُّ، حتماً، القوى الغربيّةُ كافةً، والعصاباتُ المحليّةُ التابعةُ لها، إلى خارجِ سورية”.
رقم العدد 15635