الجماهير ـ حميدي هلال
” طاش ما طاش ” هو المبدأ والأساس الذي أخذ يعمل وفقه إعلام ” البدعة ” ، وأقصد بإعلام البدعة هو إعلام صفحات اللاوعي الاجتماعية ، الإعلام الجديد المتمثل بالمنصات الإلكترونية المتعددة للتواصل الاجتماعي والتي دخلت إلى عالم الإعلام بقوة .
” أحمق يلقي حجراً في بئر.. يعجز عن إخراجه ألف حكيم “.
الكثير من حمقى الإعلام استغلوا “النت” وميزة وصول المعلومة بيسر وسهولة الى الناس ، حتى على مائدة الطعام ، في غرفة النوم ، وحتى في المنام ، فأخذوا يعملون على ضخ أخبار بأشكال وألوان بدون مصداقية أو سلطان ، ظانين أنهم يحققون سبقاً صحفياً ، يزيد من المعجبين ، والمتفاعلين ، ويجذب الفتيات والفاتنات ، لكن سرعان ما تتلاشى تلك الهالة التي أحدثتها التغذية الرجعية لهذا الخبر أو هذه الإشاعة حتى يكتشف الجمهور فخ الخداع الذي وقع فيه .
الكثير من الأزمات الخدمية وخاصة أزمة الوقود ما كان لها أن تكون لولا إعلام البدعة، واليوم الجمهور يتلقف المعلومة ، يصدقها ، ويا جارة قولي للجارة ، وتكثر التحليلات ، التفسيرات ، والجلسات الحوارية البلكونية ، وتكبر وتتدحرج ككرة الثلج ، ليبني عليها المواطن ، ويضع خططه واستراتيجياته المنزلية المستقبلية وفقها ، لأن هذا الأمر ربما يتعلق بقوته اليومي ، وأسباب حياته ، ولا لوم عليه بالمطلق .
هناك من جند نفسه لقنص أية مشكلة صغيرة واصطيادها وتعميمها لتكون كفيلة بخلق ” أزمة ” ، كأن يمر أحد إعلاميو البدعة من أمام إحدى البقاليات ليسأل البائع عن توفر مادة السكر ، يجيب البائع لا يوجد لدي سكر ، يتلقفها ذاك الإعلامي “الحربوق” قبل أن يغادر المحل وعلى هاتفه النقال كتب على صفحته ، نفاد كميات السكر من الأسواق ، ارتفاع سعر السكر …. فخلق أزمة من لا شيء ، كل ما في الأمر أن البائع لما يأتيه موزع الجملة بعد .
هكذا تفعل الشائعات فعلتها، تسيطر على منطقة اللاوعي لدى الانسان فتجعله يتصرف بعشوائية وتخبط ، وطبعاً الظروف كافة مهيأة والتربة صالحة لأن تنبت الإشاعة وتنمو وتترعرع ، بالاستناد إلى أن بلدنا يعيش في أزمة حصار خانقة ، فكل ما يقال ضمن هذا الاطار يصادق عليه على الفور دون تفكير .
من هنا نخلق الأزمات، من العدم، من اللا حقيقة ، من عدم الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والأمانة الإعلامية ، فإن لم تستطع أن تبني ، فلا تشارك بالهدم ، وتسمع الإشاعة ، فتتبرع بنشرها كما يفعل أصحاب النفوس المريضة الذين يتصيدون الأخطاء، ويفرحون بالهفوات، وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع .
بالمقابل هناك إعلام ” العفة ” وهو الإعلام الواضح الصريح ، العفيف الأسلوب، النظيف الوسيلة، الشريف القصد…، غايته الحق، لا يضل ولا يضلل، ولا يتبع الأساليب الملتوية، ولا سبل الخداع ، هو الإعلام الوطني الملتزم ، والالتزام هنا مرجعيته الأولى والأخيرة هي ” الوطن ” ، والإعلامي الوطني خلال سنوات الحرب وقف على المسافة صفر من الموت ، ومنهم من تجاوزها وارتاحت روحه الطاهرة ، فقط لأجل الوطن ، لأنه أدرك حجم الخطر الداهم على بلاده .
في الإعلام الوطني لا نطلق ” الكلمة ” وهي بضعة حروف، إلا بعد تمحيصها وتدقيقها ، نتوخى أن تكون غير قابلة للتأويل ، أو متعددة التفسير ، أو يمكن أن تحدث أثراً سلبياً بغير قصد…نحذف، نصطفي ، ننتقي ، نتشاور ، حتى نستقر وتصبح المادة جاهزة للنشر ونحن مطمئنون.
رقم العدد 15642