الجماهير- الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
آهات الصبر ستثمرُ أغاريد نصرٍ، ومرارة الحرمان ستغسلها حلاوة الإكرام ومعاناة الناس في وطني سورية ستُستبدل بالخير والرخاء. بإذن الله تعالى.
إن الحصار الاقتصادي بل المعركة الاقتصادية الآنية وتلك السنوات العِجاف الماضية التي ملأها أبناء وطني العظيم – قيادةً وجيشاً شعباً – ملؤوها صبراً وصموداً وشموخاً وإباءً هي ما دعاني أن أكتب عن الصبر الذي أرى ثماره قد تبدّت في أفق الوطن.
كثيرة هي المواقف القاسية التي يتعرض لها الإنسان خلال حياته، غير أنه وبمرور الوقت يتجاوزها، وربما ينساها، ولكن حتى يصل إلى نقطة التجاوز والنسيان، ويمر عليه ذلك الموقف القاسي بسلام لا بدّ له من رفقاء في وقت الأزمة؛ يكونون عوناً له ويُسلونه عما به من هموم، وأهم هؤلاء الرفقاء الصبر، إذ ينبغي علي الإنسان خلال هذه الفترات أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله عز وجل.
هذا الرفيق العظيم يخفف ضغوطات الأزمة، ويمرر صعوباتها، إنه قوة وجدانية وفضيلة أخلاقية أمرنا بها الله عز وجل في جميع الشرائع السماوية؛ وحثنا عليها سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، من خلال أقواله وأفعاله النبوية.
الصبر خلق تمثّله العظماء من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين حيث عانوا ما عانوه من صعوبات ومشقّة وكُربات، ومع ذلك صبروا حتّى أكرمهم الله بالنصر، وقد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف عظيمة، وجعل لهم مراتب كريمة من ذلك: أنه أكرمهم بمعيته فقال جل من قائل: (واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال:46، وجعل في تفاصيل الصبر بشارات لا يُخطئها القَدَر، فقال تعالى:(وبشر الصابرين) البقرة:155، وأكرمهم بمحبته فقال:(والله يحب الصابرين) آل عمران:146، وجعلهم أئمة فقال سبحانه: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) السجدة:24 .
وعلّق النصرة على الصبر فقال تعالى: (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) آل عمران: 125.
وأكرمهم بعظيم الأجر فقال سبحانه: (ولنجزينَّ الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل:96، وجعل أجرهم مضاعف فقال: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) القصص:54.
وما من قُربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر فإن أجره يكون بغير حساب ومصداق ذلك قوله سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر: 10.
وروي أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (الصبر والسماحة) وقال أيضاً: (الصبر كنز من كنوز الجنة) وسئل مرة: ما الإيمان فقال: (الصبر) وورد عنه صلى الله عليه وسلم: (لو كان الصبر رجلاً لكان كريماً والله يحب الصابرين).
ووجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: “عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر في المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى”.
وقد روي أنه مرّ رجلٌ على مريض قد أصيب بشلل نصفي، وهو أعمى ومصاب بأمراض جلدية، وسمعه يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه. فتعجب الرجل وقال: يا أخي ما الذي عافاك الله منه لقد رأيتُ جميع المصائب فيك. فقال له: اتركني وشأني فقد عافاني ربي إذ تركَ لي لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وجسداً على البلاء صابراً.
بالصبر نوقدُ شُعلة الأمل لنضيء ظلام اليأس في نفوسنا، إذ ليس الشقاء أن يكون المرء مُبتلاً، بل الشقاء هو العجز عن الصبر على الابتلاء.
لنُدرك حقيقة رائعةً هي أننا بالصبر نُكمل طريقنا في الحياة، وما أشقى من لا صبر له، وأن علينا أن ننتظر نهاية الصّعاب لنُدرِكَ كم كان الصبرُ مفيداً ومُعيناً على اجتيازها.
قال الشاعر:
دع المقادر تجري في اعنتها…
ولا تبيتنّ إلا خالي البال
ما بين طرفة عين وانتباهتها…
يغير الله من حال الى حال
ونحن في هذه الأيام نتعرّض لحصارٍ جائرٍ من قِبَل أعداء الإنسانية. أمريكا وغيرها. ويتمثّل بقلّة المحروقات من بنزين ومازوت و…، والصبر على هذا الحصار ترجمة عملية للأعداء وأذنابهم بأننا في سورية لا نركع إلا لله تعالى.
اللهم أهطل على كل من صبروا وصمدوا في وطني نصرك وأمنك وأكرمهم بأجرك العظيم في الدنيا والآخرة يا أكرم مسؤول.
رقم العدد 15652