الجماهير ـ أحمد العلي
لا أحد ينكر ما خلفته الحرب الكونية الظالمة المفروضة على سورية ، من وقع مؤثر في الوسط الثقافي ، حيث انكفأ معظم المثقفين على أنفسهم ، وانشغلوا بمجريات الحرب وما آلت إليه الأمور ، من هموم ومشكلات اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها من القضايا التي تشغل البال والحال ، على المستوى الفردي والجماعي .
وفي حلب التي طالها الإرهاب التكفيري ، ونزح الكثير من الأدباء كغيرهم من حي إلى حي ، ومن مدينة إلى أخرى ، حيث كان يلتقي من بقي منهم ولأكثر من سبع سنوات من الحرب ضد الإرهاب ، في بعض المقاهي التي كان يتوافر فيها بعض الأمان من قذائف الحقد ، ومن أكثر الأماكن التي استقطبت الأدباء والكتاب والإعلاميين والفنانين التشكيليين والموسيقيين والمحامين ، في بداية الأزمة مقهى الموعد ، ومن ثم مقهى الشباب الذي أصبح ملتقى المثقفين ، القاطنين ، والعابرين ، والزوار ، ومن جماليات المكان بقسميه الشتوي والصيفي ، تحوله بسبب قلة المطبوعات ، إن كانت كتباً أو مجلات أو دوريات فصلية أو صحفاً ، وطنية أو عربية ، ولظروف قاهرة ، إلى منتدى ثقافي ، حيث حمل عشاق الثقافة ما يستطيعون حمله ، من كتب ومجلات ومخطوطات ، أثناء هجرتهم من دورهم ، وفرارهم من ظلم الإرهاب ، واصطحبوها معهم وأودعوها في المقهى، ولتكون أنيستهم في المكان ، طوال السنوات الخوالي ، ولم تزل شاهدة على العصر بكل تجلياته، والجميل أن أصحاب المكان ، أمناء على هذه الكتب والمطبوعات بقديمها وحديثها ، بل خصا جانباً من المقهى ، بركن ثقافي ، أشبه بمعرض دائم للكتب والمجلات …، وكان من بين رواد المقهى ولا يزالون كل من الأدباء والكتاب /محمود علي السعيد ، محمد أبو معتوق ، مصطفى أحمد النجار، عبد الرزاق معروف ، جلال قضيماتي ، فواز حجو ، ابراهيم كسار، عصام ترشحاني ، حسن بيضة ، محمد بشير دحدوح ، عمران كيالي ، عدنان كزارة ، د . صلاح كزارة ، والدكتور محمد الراشد ، حتى قبل وفاته بيوم ،وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة لذكرهم.
هؤلاء كانوا يتبادلون الرأي، ويتحاورون في الشؤون والشجون ، ويقرؤون الجديد في القصة والشعر والمقالة النقدية لبعضهم البعض ، والتي كانت تعبر أصدق تعبير عن واقع الحرب وتداعياتها ، وتحمل في مضامينها الهم الوطني والإنساني ، وفي هذه الأيام وبعد حالة الاستقرار والأمان ، وعودة الجميع إلى أحيائهم ومنازلهم ، لايزالون يواظبون على ريادة المكان ، والتعاطي البهيج مع رائحة الورق المطبوع ، والمشاركة الفاعلة في ثقافة التنوير الفكري ، ونفض الهموم عن الكواهل التي بدأت تنهض لإعمار وبناء الوطن والإنسان .
رقم العدد 15666