انطفأ قنديل من قناديل حلب الثقافية

الجماهير- بيانكا ماضيّة

تمتلك مكتبة الأصمعي في حلب شهرة واسعة توازي شهرة مكتبة النوري وغيرها في دمشق، ويعود تأسيسها إلى أكثر من أربعين عاماً خلت لصاحبها الأستاذ أحمد حميدة، أستاذ اللغة العربية، الذي وافته المنيّة منذ مايقارب ربع قرن.
تولّى شؤون إدارة المكتبة من بعده العم”أبو يوسف” الذي كان يعمل أيضاً مع الأستاذ أحمد، وابناه الشابان، أحدهما عمّار الذي صدمنا رحيله في الأمس بأزمة قلبية حادة، وهو في ريعان شبابه، رحمه الله.
معرفتي بآل حميدة أصحاب مكتبة الأصمعي تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وهي ليست معرفة تتعلق بالكتب واقتنائها وحسب، وإنما معرفة أساسُها (الجيرة)، فالمحل المجاور له كان يمتلكه خالي رحمه الله، وقد عملت فيه لفترة طويلة مع أخي في المجالين السياحي والإعلاني، أي أنني يومياً كنت أرى آل حميدة وعلى تواصل دائم معهم. ولكن معرفتي بالأب توطدت حين كنت أستشيره بأسماء الكتب التي تفيدني في بحثي (المدينة في شعر نزار قباني) الذي كنت أعمل عليه عام 1995 والذي حزت عليه جائزة سعاد الصباح للإبداع الفكري (النقد) من دولة الكويت، وللأمانة فإن الأستاذ أحمد كان له الفضل في الاطلاع على فصول ذاك البحث وتصحيح بعض الأخطاء الواردة فيها، إذ كنت كلما انتهيت من فصلٍ استشرته به، وكانت ابتسامته لاتسع فضاء المكتبة حين كنت أبدي خشيتي من أن أكون قد أثقلت عليه في تلك الاستشارة. كان الرجل معطاء إلى أبعد درجة، ولم يبخل في تقديم أية ملحوظة حول ذاك البحث.
أخلاق آل حميدة معروفة لكل من تعامل معهم، بشوشو الوجه، رزينون، كرماء، لطفاء، دمثو الأخلاق، لايمتنعون عن تقديم أية استشارة أو أي كتاب (حتى لو كان استعارة) ولهم فضل في نشر الثقافة والمعرفة والأدب في مدينة حلب.
رحيل عمّار في الأمس كان صدمة لمثقفي حلب وأدبائها ومفكريها ولكل من يقتني الكتب، وقبل رحيله بأيام قليلة التقيته، وطلبت منه معجم (الأخطاء الشائعة) للعدناني، رغم معرفتي بأني أستطيع قراءته من الانترنت، لكن للورق رائحة ونكهة مختلفتين، وبالرغم من عدم وجوده في المكتبة، وعدني عمار بأن يسأل أصحاب دور النشر عنه.
برحيل أصحاب مكتبة الأصمعي خسرت حلب وخسر مثقفوها الكثير من المعاملة اللطيفة والأدب وحسن الضيافة والكرم، عدا عن خسارتهم رائحة المكتبة بماتتضمّنه من كتب متنوعة، لكن مايعزّيهم أن لهم ذكريات كثيرة تربطهم وأصحابها.
رحم الله عمار حميدة الشاب المثقف ذا الوجه البشوش ورحم أباه الرجل الوقور، إن برحيل عمار انطفاء لقنديل من قناديل حلب الثقافية.
رقم العدد ١٥٧٤٢

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار