حول تنبؤاته المسرحية والمسرح الراهن في حوار” للجماهير” عبد الفتاح قلعجي: لما ازيح الكاتب عن المسرح ابتعدنا عن القضايا الكبرى ..المسرح اليوم كثير الحركة قليل البركة.

 

للجماهير – أسماء خيرو

أصداء المسرح تتردد في كيانه مهما بعد أو نأى عنه، في أعماقه حمل لواء الإنسان ليخوض به معارك ضد الظلم والقهر والهم الإنساني والوطني.

رجل يشع بالحياة والمغامرة، باحث مسرحي تتعمق فيه قضية الوطن وهمومه، فالوطن ليس مجرد حفنة تراب بالنسبة له، الوطن عند الباحث والكاتب المسرحي عبدالفتاح قلعجي يتمثل بعلاقته بأولاده وبأصدقائه وبمشاركته لهموم ومعاناة المواطن ومعايشة الواقع بمختلف جوانبه. كتاباته الأدبية والمسرحية تذكرنا بأرفع المستويات التي يستطيع الإنسان أن يبلغها.

مع الباحث والكاتب المسرحي عبدالفتاح قلعجي كان” للجماهير” هذا الحوار:

-في البداية حدثني ما سر شغفك واهتمامك بالمسرح وماذا تعالج كتاباتك المسرحية ؟!

شغفي سره أن المسرح هو الحياة، عملية خلق عالم الممكن، يتيح للإنسان عالم من المغامرة والتجريب وكتاباتي المسرحية أغلبها تعالج القضايا الكبرى ( الحب، الموت، القهر، الظلم ، القدر، والقلق) كما تعالج الهم الوطني والإنساني. ففي مسرحية (سيرة مدينة) عالجت ما تعانيه حلب من حرب همجية وحشية فمزجت التاريخ بالمعاصرة .

لدي رؤيا، فأنا أقرأ الواقع وأستشف من خلاله الأحداث قبل حدوثها، لذلك كتاباتي المسرحية أغلبها إرهاصية أي (تنبؤية) تنبأت بسقوط بلد عربي في إحدى مسرحياتي وبالفعل سقطت بغداد، وتنبأت بسقوط إيديولوجيات في مسرحية (هل قتلت أحدا؟!) كما تنبأت بحرب تموز وبالفعل حدثت حرب تموز .

كما أنني في كتاباتي أعدت قراءة التاريخ فأعدت قراءة سيرة ( سيف الدولة الحمداني – وشجرة الدر – وخير الدين الأسدي ) .

-الجانب الشعري في نتاجاتك إلى أين ينتمي؟!

شعري ينتمي إلى الشعر الصوفي، فأنا أعتقد للوصول لحب الله يجب أن ينطلق من حب أرضي مما يعني أن أرى الله في فتاة جميلة، وأعبد الله في زهره.

ولقد قرأت لجلال الدين الرومي والحلاج وفريد العطار، هؤلاء الصوفيون قدموا تجربة داخلية روحية وصلوا إلى لغة وجدانية أكثر من كل الشعراء الحداثيين. فكتب جلال الدين الرومي تطبع في أمريكا أكثر من أي كتب لأي شاعر أمريكي ، فالأوربيون والأمريكان يعتبرون جلال الدين الرومي صلة الشرق بالغرب، بعد أن أغرق الغرب بالمادية فصار لديه خواء فكري نتيجة صدمة التكنولوجيا.

-كتبت العديد من المسرحيات للطفل كـ(طفلة قادمة من بيروت – ملكة القطن – وحكاية روزنة ) ما الذي يجب أن يراعيه الكاتب عند كتابة قصص الأطفال ؟!

الطفل له ملكه لطيفة خيالية يعيش في عالم سحري ، هو لا يعترف بالموت، فعندما تشاهدين أفلام كرتون تلحظين أن الشخصية الكرتونية تسقط من السطح وتموت، ولكن في الوقت نفسه تعود للحياة. الطفل لا يدرك الموت، لذلك على الكاتب ألا يشوه هذه الملكة الخيالية ويترك الطفل في عالمه السحري.

-ما هو تقييمك للمسرح في الوضع الراهن؟! وأين هو المؤلف والكاتب المسرحي ؟!

المسرح في الوقت الحالي كثير الحركة قليل البركة كما نقول في أمثالنا الشعبية، مسرحيات كثيرة ولكن لا هدف لا قضية ليس فيه روح التجربة، الأفكار التي تطرح خالية من المضمون .

والمؤلف المسرحي في يومنا هذا أزيح عن خشبة المسرح، وحل محله المخرج، لذلك بعدنا عن القضايا الكبرى ووصلنا إلى ما وصلنا إليه . المؤلف هو الذي يحمل قضايا أمته، هو الذي يعايش الناس، وهو الأقدر على التعبير عن هموم أمته، والمخرج عليه أن يقدم رؤيته فقط، لا أن يتدخل بالنص ويتلاعب به. النص عند الكاتب موزون بدقة وأي خلل فيه هو إخلال بالنص فإذا أراد المخرج أن يتلاعب أو يغيّر النص الفكري ،عليه أن يكتب نصه الخاص به .

وسأضرب لك مثلاً عن تعامل المخرج ستانسلافسكي مع الكاتب تشيخوف، إذ كان المخرج ستانسلافسكي ينفذ كل ما جاء في النص، فإذا أراد أن يتدخل بمشهد أو عبارة عليه أن يستشير تشيخوف.

-شاركت في العديد من المهرجانات فكنت محكماً وباحثاً وناقداً.

حدثني عن اقتراحك الأخير في مهرجان الأغنية العربية؟!

الكل يذهب ويبقى الكتاب ماذا بقي لنا من المسرح الإغريقي غير نصوص اسخيلوس ويوروبيدس؟! وماذا بقي لنا من المسرح الإنكليزي سوى كتب شكسبير وبرنارد شو، فاقترحت أن يصدر مع المهرجان كتاب يوثق سيرة أحد أعلام الموسيقا والفن، فألفت عدة كتب للمهرجان منها كتاب يوثق سيرة أبي خليل القباني الموسيقي المسرحي، الموسيقار أحمد الدربي رائد الموسيقا الوصفية التصويرية، وعمر البطش أمير الموشحات.

-وأخيرا حدثني عن الموضوعات التي تشغل قلمك الأدبي في هذه الأيام، بعد هذا المشوار الأدبي الطويل؟!

ليس هناك شيء محدد، ولكن الآن أنا بصدد تأليف كتاب عن مسرح ما بعد التجريب، وهناك أيضا عشرة كتب، ولكنها لم تطبع بعد، وأسعى لطباعتها وإظهارها للنور .

وأقول لك ككلمة أخيرة رغم أنك أطلت علي وأسهبت في الأسئلة: الكاتب لن يكون كاتباً جديراً بالعصر الذي يعيش، إلا إذا قرأ ووثق الجزء الحي في الإنسان والوطن، وأصبح ديدنه أي همه الأكبر لتصبح لديه رؤيا تعطيه ما يكون وما سوف يكون، فعلمي هذا لم يأت من فراغ. أنا قرأت آلاف الكتب والمقالات وكتبت عن كثير من الأحداث، مؤلفاتي كان لها صدى كبير لأنها توثق هم الإنسان والوطن وتعبر عن روح العصر .

رقم العدد 15789

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار