أدوات مدرسية تشجع على العنف في أسواقنا فمن المسؤول ؟ .. مختصون : اقتناؤها عدوى بين الطلاب .. جميع مؤسسات المجتمع مسؤولة عن وضع حد لها
الجماهير – حسن العجيلي
العنف وإن كان سلوكاً يجمع الكل على رفضه إلا أن البحث في أسبابه بين أنه مكتسب أو ذاتي يشكل إشكالية كبيرة لسنا بصدد بحثها هنا ، إلا أننا نسلط الضوء على أحد العوامل التي يمكن أن ترسخ العنف لدى الأطفال إذا نحونا تجاه النظرية التي تقول أنه أي ” العنف ” مكتسب ، وهنا لن ندخل كذلك في مجال الألعاب العادية منها أو الالكترونية التي تشجع على العنف والتي من المؤكد أن لها آثارها الخطرة ، بل في مجال يمكن أن يكون أخطر وهو ” الأدوات المدرسية ” التي تشجع على العنف وتأخذ أشكالاً كثيرة بتنا نجدها منتشرة في أسواقنا دون رقيب أو حسيب .
ففي الوقت الذي يجب أن تكون هذه الأدوات للتعلم والمعرفة وكسب المهارات الجيدة نرى أنها غدت تكريساً لمفاهيم تؤدي بطريقة أو بأخرى للعنف خاصة لدى الأطفال في المراحل الأولى من احتكاكهم مع محيطهم المدرسي أو ما قبل المدرسي ” رياض الأطفال ” .
يشعر بالقوة مع ” المسدس “
الطفل عبد القادر من الصف الثاني شاهدناه في إحدى المكتبات يشتري قرطاسية وأدوات مدرسية ويلفت نظره الأشكال التي تصوّر الأسلحة وغيرها من الأشكال التي تشجع على العنف حيث أمسكها وقال لأمه : أريد منها ، وعندما سألناه لماذا ؟ أجاب بأنه يحب ” المسدس ” لأنه يشعر بالقوة حين يمسكه – مع أنه يمسك أداة مدرسية – ، وهذا الطفل هو عيّنة من أطفال المجتمع الذين عايشوا خلال سنوات الأزمة وشاهدوا على وسائل الإعلام مختلف اشكال الأسلحة والخراب الذي خلفته ممارسات العصابات الإرهابية المسلحة .
الأدوات المدرسية تنشر سلوكاً وقيماً لدى الطفل
تقول لمى أشالم رئيس شعبة الإرشاد في دائرة البحوث التربوية في مديرية التربية بحلب : الأدوات المدرسية ” القرطاسية ” هي من أهم المفردات ذات التأثير على التكوين الاجتماعي والنفسي للطفل كونها تلازمه سنوات تكوينه الأولى بما تحمله أشكالها من رسومات ومجسمات وصور تحمل رسائل موجهة وغير مرغوبة في بعض الأحيان وذلك بما تحويه من تحريض على العنف أو غرس وترسيخ قيم فكرية تتعارض مع ما هو سائد في مجتمعنا ، مضيفة بأن مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الفرد ، والأشياء التي تصاحب مرحلة الطفولة لها الأثر الكبير في تشكيل السلوك وبناء التوجهات المختلفة في الحياة ، وتقع الأدوات المدرسية في مرتبة متقدمة من تلك المعطيات لما تبثه من أفكار وقيم لدى الأطفال وإن كان ذلك يتم بشكل غير مباشر عبر الصور والرسومات والمجسمات .
للأزمة تأثير على هذا السلوك
وتوافقها الرأي زميلتها لمى خطاب رئيسة شعبة التربية الخاصة في دائرة البحوث التربوية التي أشارت إلى أن معظم الأسر تحاول مع بداية كل عام دراسي جديد أن تشتري لأبنائها المستلزمات المدرسية والقرطاسية التعليمية، ومن الملاحظ في هذا العام احتواء الأسواق السورية على مستلزمات وقرطاسية مدرسية تحاكي شكل الأسلحة حيث يلاحظ المتجول في الأسواق وجود مبراة على شكل مسدس وممحاة على شكل بندقية ومحفظة أقلام على شكل دبابة… إلخ ، وغيرها من الأدوات الاخرى ، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تأثير الأزمة التي مر بها وطننا والحرب الإرهابية التي تعرض لها في نفوس كل أفراد المجتمع وخصوصاً الأطفال الذين يتسابقون على شراء مثل هذه الأدوات .
المدرسة والمنزل شركاء في انتشارها
وترى أشالم أن عدوى اقتناء هذه الأدوات تنتقل بين الأطفال لأن الطفل يرى زميله حاملاً لتلك الأشياء ويسعى للحصول عليها وامتلاكها بالغيرة والتقليد ، وإن لم يكن يرها سابقاً وكلها تحمل أفكاراً غريبة ومحرضة على العنف مثل شخصيات ” سبايدرمان ” وغيرها ، وهنا نركز على دور أولياء الأمور وأن المسؤولية تقع عاتقهم ومدى رقابتهم بكل ما يتعلق بأبنائهم ضمن النواحي السلوكية وكذلك اختيارهم لمقتنياتهم الشخصية والتي تعكس بشكل كبير ميولهم وسلوكياتهم وترسخ سلوكيات غير مقبولة لأشخاص يحملون أسلحة أو على شكل سلاح أو ألعاب تفرز العنف مما يجعل الأولاد يجنحون لسلوكيات تتسم بالعنف ، وهنا يجب على أولياء الأمور مناقشة أبنائهم قبل الشروع بشراء ما يناسبهم من أدوات وقرطاسية ومعرفة اهدافهم وتوجهاتهم من وراء إقبالهم على سلع دون غيرها .
بها تكون المدرسة مركزاً للتذكير بالعنف
في حين ترى خطاب أنه وبالنظر إلى الجوانب الاجتماعية والنفسية لهذه الظاهرة نجد أن عمليات الحرب الإرهابية التي تعرض لها المجتمع السوري خلال السنوات الماضية أثرت في شخصيات الأطفال وسلوكياتهم وباتوا يميلون إلى شراء كل من شأنه أن يذكرهم بالحرب والسلاح والدمار ولكل ذلك أثره السلبي في نفوس الأطفال ويكاد يكون المحرض الأساسي لسلوكياتهم العنيفة والعدوانية في أسرهم ومدارسهم ، وبدل أن تكون المدرسة وكل ما يتعلق بها من مستلزمات وقرطاسية مكاناً لاكتساب الخبرات والمعلومات والقيم الأخلاقية الحسنة أصبحت تحوي كل ما يذكر الطفل بخبراته المريرة عن الحرب والدمار ، وهذا ما يحرضه على العنف والعدائية.
وتأكيداً على دور المدرسة في التوعية تقول أشالم : لا نغفل دور المدرسة في التوعية بالنسبة للتلاميذ واسرهم عن تلك المقتنيات وما تحتويه من قيم سلبية تزرع من خلالها في عقول التلاميذ ، ويجب أن نفعل دور الأهل من خلال توعية أبنائهم عن طريق الحوار والنقاش وإبراز الجوانب الإيجابية في الأشياء التي يحاول الآباء توجيه اولادهم إليها .
وتضيف رئيسة شعبة الإرشاد بأن هذه المقتنيات التي تثير العنف لدى الطلاب عندما تتكرر رؤيتها من قبل الطلاب يسعون إلى تقليدها مع زملائهم مما يسبب مشكلات بين الطلاب ويشكل عبئاً على المدرسة وعلى سير العملية التعليمية ، فلا بد من دور الأسرة والمدرسة التوعوي بما يحفظ هويتنا وأفكارنا وثقافتنا ، ولا بد من تعاون إيجابي بين كافة مؤسسات المجتمع للحفاظ على القيم والأفكار السامية ودور الرقابة المجتمعية على كل ما يتعلق بالعملية التعليمية لما يحفظ أبناءنا من أي تشويه فكري مقصود موجه لهم في مراحل تكوين شخصيتهم وسلوكهم انطلاقاً من أهمية التربية والتعليم في الحفاظ على الهوية الوطنية والنهوض بالمجتمع وبناء سوي وسليم للأفراد .
ضرورة توجيه الأطفال
وتدعو أشالم إلى تفعيل دور الرقابة داخل الاسواق لمتابعة هذه الأدوات وما تبثه في نفوس الأطفال واستبدالها بأشياء وأشكال تسهم في تأصيل السلام والهوية العربية في نفوس الطلاب والهوية العربية داخل المدرسة ، وكذلك تعزيز الانتماء والسلوكيات الإيجابية تجعل الأطفال يقبلون عليها وعلى اقتنائها بكل حب ورضا .
وتؤكد زميلتها خطاب رأيها مضيفة بأنه لابد من الإشارة وللأسف عن غياب الدور الرقابي على صناعة وبيع مثل تلك الأدوات، حيث أن الهدف الأساسي للصناعي والتاجر هو الربح حتى ولو كان على حساب منظومة الأخلاق التي توصي بإبعاد الطفل عن كل ما يسبب له الأذى جسدياً أو نفسياً أو معنوياً.
الاقتصاد تتعامل مع الورق.. فمن المسؤول ؟
” الجماهير ” توجهت لمديرية الاقتصاد والتجارة الخارجية بحلب حيث أكدت مصادر مطلعة فيها أن المديرية تمنح إجازات الاستيراد للبضائع ولكن على الورق دون التدخل بالمواصفات ، وهنا يقصدون أنهم غير مسؤولين عن الأشكال التي ترد بها الأدوات المدرسية .
وهنا يبقى السؤال من المسؤول عن إدخال هذه المواد المضرة بالمجتمع إلى أسواقنا ، ويعيث فساداً بتنشئة وتربية أطفالنا .
العمل على ترسيخ اللاعنف
” بناء طفل خير من إصلاح إنسان” مقولة كررتها رئيس شعبة التوجيه مضيفة : أنه انطلاقاً من أهمية هذا القول يأتي التشديد والتركيز على الاهتمام بالأطفال كبنية اساسية للمجتمع ، لذلك يجب أن نبدأ بالاهتمام بأطفالنا من حيث أن رعايتهم وحمايتهم تعد المحور الأساسي والمحوري والجوهري في حياة الأسرة والمجتمع ، كما يجب الاهتمام بوسائل الإعلام لما لها من دور أساسي ومحوري في وقتنا الراهن بما تبثه وتؤثر سلباً أو إيجاباً بتوجيهها للأطفال وتفتح العالم وآفاقه أمامهم وتؤثر في بناء شخصياتهم وسلوكهم وتنشئتهم الاجتماعية، ودورها أيضاً في تنمية قدراتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم. وتختتم أشالم بالقول : نستطيع القول أننا أمام الكثير من العمل والجهد لكي نساعد على إيجاد وبناء ثقافة ” اللاعنف ” وبذل كل الإمكانات في سبيلها ، كما يجب علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي ونرى أطفالنا تحت خطر العنف وثقافته وتهيئة وإيجاد بيئة سليمة خالية من كافة أشكال العنف مبنية على المحبة والسلام والأمان ، وأن نجعل أطفالنا يتمتعون بصحة نفسية سليمة في بيئة اجتماعية سليمة ، وأن نخفف من مخاطر التوترات الاجتماعية في مجتمع ما بعد الأزمة ” .
خلاصة القول :
يبرز جلياً أهمية البحث في تداعيات ما بعد الأزمة كونها أخطر بكثير من الأزمة من حيث سلبية التأثير السلوكي والأخلاقي وخاصة على الأطفال الذين يتقمصون شخصيات ويتجهون لسلوكيات تؤدي لهدم المجتمع بتكرار حدوثها وتراكم آثارها ، وكل هذا يحدث في غفلة من الجهات المعنية بالأسواق وبالتربية والطفولة والتي يجب أن تجتمع وتضع محددات لكل ما يجب أن يتعامل معه الطفل حسياً أو نفسياً .
رقم العدد 15819