نساء مطلقات حائرات بين فقدان الثقة والبحث عن بر الأمان .. للطلاق أسباب متعددة تؤدي لنتيجة واحدة ” تفكك الأسرة “..أكثر من ألفي حالة طلاق بحلب خلال النصف الأول من العام الحالي
الجماهير – جراح عدرة
لم يبق من خيط زواجهن المتين إلا الاسم فقد أسقطت الخلافات العائلية والمشاكل اليومية كل صفاته المتينة والقوية ليصبح خيطاً هشاً ضعيفاً قابلا للانقطاع في اللحظة الحاسمة وبعد أن نفذ الصبر ودقت ساعة الصفر أعلنوا الانفصال وفي حوزة كل منهما ورقة عنوانها مر وهو (الطلاق) وخاتمتها توقيع وهو أشد مرارة يلخص انهيار أسرة بالكامل.
ومن القفص الزوجي ينتقلن إلى قساوة الحياة المجتمعية نساء مطلقات حائرات لم يدرين متى يكون الأمان ولمن تعطى الثقة بعدما خانهم أول ميثاق .
الطلاق .. أسباب متعددة
حنين سيدة بعمر ٢٦ عاماً تسرد قصتها كاشفة لنا عن أول تجربة زواج قائلة : اعتقدت أنها سفينة الحياة التي ستنقلها إلى كل ما تتمناه من استقرار وحب وسعادة برفقة شريك العمر الذي سيفرح قلبها بتحقيق كل ما تتمناه فإذا بها تنصدم بما اختارت فالغيرة العمياء التي وصلت للشك اللامعقول لدى زوجها أفقد حنين صبرها وأنهك تفكيرها المستمر في البحث عن حل ولكن دون جدوى فقررت الانفصال عن زوجها الذي لم تكمل معه عاماً واحداً من تاريخ زواجهما ، مشيرة إلى أنها لم تنجب منه أطفالاً فقد تحطمت نفسية حنين مع تحطم وانهيار اختيارها الأول .
أما نور فقد رفضت الاستمرار مع زوجها الذي خانها مع صديقتها فكانت الكارثة يوم اكتشافها مدى سذاجتها كونها أعطت الثقة لأقرب الناس لديها فإذا به يغدر بها ويخونها فلم يكن أمامها إلا بتر ذاك الخيط الذي أصبح ضعيفاً منهكاً بفقدان الأمان مع من لا أمان له ففضلت الطلاق على البقاء معه كما تقول نور .
رهام بعمر ٢٨عاماً تبين أنها تزوجت على رغبة واختيار أهلها برجل غني في وقت كان عمرها ٢٠ عاماً لم تكن تفقه شيئاً في أمور الحياة وبعد فترة من الزمن بدأت تستفيق رهام من كابوس المراهقة لتعي الاختيار الرابح – الخاسر زواج من أجل الغنى وطمع الأهل واستهتار بالمشاعر الكامنة وراء الإقناع فكان زواجها جامداً جافاً فلم يكن أمامها إلا البحث عن الحب الذي كانت تراه على شاشات التلفاز فقررت البحث عن شريك آخر لتقرع باب الطلاق الذي رمى وراء امضاءات أوراقه طفلين بريئين بلا ذنب .
أرقام ومؤشرات
وتشير إحصاءات مديرية الشؤون المدنية الموثقة في تقرير المكتب التنفيذي لمحافظة حلب إلى تسجيل / 2317/ حالة طلاق منذ بداية العام الحالي لغاية نهاية الشهر السادس منه ، في الوقت الذي سجل فيه عام 2017 لذات الفترة / 787/ حالة طلاق ، في حين سجلت السبعة أشهر الأولى من عام 2018 / 2850/ حالة طلاق ، الأمر الذي يعكس تزايداً في حالات الطلاق المسجلة في عامي 2018 و2019 بحسب الأرقام الجزئية المبينة التي استطعنا الحصول عليها ، وبالتالي تشير هذه الأرقام إلى قضية اجتماعية يجب مراعاتها ودراسة أسبابها بشكل أكبر لتلافي نتائجها .
الوسيلة الأخيرة شرعاً
يقول الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة محاضر في كلية الشريعة : إن الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى وهو الوسيلة الأخيرة التي يلجأ إليها الزوجين عند انعدام سبل الإصلاح بينهما وبالتالي فك عقد الزواج (قيد النكاح) .
وأشار الدكتور كوكة الى أسباب الطلاق المتعددة كعدم القناعة لكل من الزوجين بالآخر وضعف الثقافة الأسرية والبعد عن القيم والأخلاق ووجود الخيانة والتي تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر أسبابها، مضيفاً أنه في حال حلف الرجل على زوجته يمين الطلاق ومضى٤ أشهر دون أن يقربها ففي هذه الحالة وجب عليه الطلاق لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم *وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم / البقرة 226_227 وكشف كوكة أن هناك نوعين للطلاق وهما الطلاق السني الذي يقع من الزوج على زوجته بصفته المشروعة والطلاق البدعي الذي يقع من الزوج على زوجته بصفته المحرمة كتطليق الزوجة ثلاثاً بلفظ واحد أو وقوع الطلاق وقت الحيض أو النفاس ووقوع الطلاق في طهر جامعها فيه ولم يتبين وجود حمل .
ويؤكد كوكة أنه في حال وقوع الطلاق بين الزوجين وجب على الزوج إعطاء زوجته مهرها والنفقة عليها أثناء عدتها كما تجب عليه نفقة أبنائه بشكل دائم حتى يصبحوا بالغين ويستطيعون الكسب ولو اختاروا البقاء مع الأم .
الأزمة الاقتصادية سبب رئيسي
عضو مجلس نقابة المحامين هيجار عثمان بين أن سوء الوضع الاقتصادي هو من أكثر الأسباب المؤدية للطلاق مشيراً الى أن نسبة حالات الطلاق قد زادت بمعدل ٥٠% في فترة الأزمة التي تعرضت لها البلاد بسبب الحرب الإرهابية الكونية التي نتج عنها تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار وصعوبة المعيشة وبالتالي تفكك العلاقات الزوجية لصعوبة تلبية متطلبات الأسرة والزوجة فلم يكن هناك ملجأ إلا الطلاق، إضافة إلى أسباب أخرى متعلقة بالاختلاف في المستوى الثقافي والفكري والاجتماعي وغيره.
كما أوضح عثمان أن الطلاق يأخذ عدة أشكال منها الطلاق التعسفي وهنا يلجأ الزوج الى المحكمة الشرعية ويعطي زوجته مقدمها ومؤخرها من المهر بهدف الانفصال عنها بشكل نهائي وبرغبته وكل هذه الاجراءات لا تحتاج أكثر من يوم ليتم الطلاق بشكل نهائي أما في حال (المخالعة) فيتم الطلاق بالاتفاق بين الطرفين كذلك الاجراءات لا تستهلك أكثر من يوم واحد .
وعن الشكل الأصعب للطلاق وهو (دعوى التفريق) فهنا الزوجة لا تستطيع الاستمرار مع زوجها لعلة الغياب أو الشقاق فتقوم برفع دعوى تفريق للانفصال عنه وهذا النوع للطلاق يحتاج وقتا أطول من سابقيه.
التحكيم شكلي لا أكثر
وأشار المحامي عثمان إلى آلية المصالحة بين الزوجين عند اتخاذ قرار الطلاق والانفصال إذ يتم منح الزوجين شهراً كاملاً من أجل المصالحة فيما بينهم وفي حال عدم الصلح يتم الاستعانة بالمحكمين الشرعيين سواء أقارب أو أباعد لمدة شهرين و١٠أيام لمحاولة الصلح بينهما، موضحاً أن الدور الحقيقي للمحكمين الشرعيين لا يتم بالصورة المطلوبة بل هو مجرد عملية شكلية لاستكمال إجراءات الطلاق.
وكشف هيجار أنه أثناء الطلقة الأولى يمكن الرجوع بدون عقد خلال فترة العدة وفي حال الطلقة الثانية يمكن الرجوع أيضاً ولكن ضمن عقد وخلال فترة العدة، أما الطلقة الثالثة فتعني الانفصال بشكل نهائي دون رجعة .
ظاهرة اجتماعية سلبية
الدكتورة ندى مواس أستاذة في علم الاجتماع في كلية الآداب ترى أن الطلاق هو ظاهرة اجتماعية سليمة لا يخلو منها أي مجتمع إنساني تقوم على فسخ عقد الزواج القائم بين شريكين لاستحالة استمرارية الحياة الزوجية بينهما وبنظر أستاذة علم الاجتماع الطلاق يكون حلاً مطلوباً ومقبولاً في حال عدم تقديم الزواج القائم على الفرص المطلوبة والمتوقعة منه بما في ذلك قضية الإنجاب وعندما تسير نسبة كبيرة من الزيجات نحو الطلاق وفق مبررات لا داعي لها فهنا يجب التوقف كثيراً قبل اتخاذ هذا القرار.
غياب التكافؤ
وترى مواس أن ضعف المستوى الاقتصادي للزوج من أبرز أسباب الطلاق ويمكن تفاديه بالصراحة وتوضيح طبيعة الظروف الاقتصادية قبل إبرام العقد، ويجب الأخذ بعين الاعتبار موضوع التكافؤ الثقافي والذي يعتبر مقوماً رئيسياً لموضوع الاختيار في الزواج فالتباعد الثقافي والتعليمي بين الزوجين يؤدي الى زيادة نسب حالات الطلاق أو ربما لجوء الزوج إلى الزواج بأخرى وهذا ما يطرأ عنه قيام الزوجة بطلب الطلاق.
وتضيف مواس إن غياب الصراحة والصدق كإخفاء أمر ما في فترة ما قبل الزواج (عاهة أو عيب أو عجز أو مرض نفسي) سيؤدي إلى الطلاق لأن هذه الأمور ستكتشف لاحقاً وبالتالي شعور أحد الطرفين بأنه وقع ضحية الآخر مما يدفعه لإنهاء الزواج.
الأزمات تزيد نسب الطلاق
وبنظر مواس إن فترة الحروب فترة خطيرة لانتشار ظاهرة الطلاق نتيجة ما تحمله من ظروف وضغوط تضع الزوجين على محاكاة اختبار الصبر ، موضحة أهمية وضرورة توعية الشباب المقبلين على الزواج من خلال دورات خاصة تتعلق بقضايا الزواج والأسرة .
وتصف الدكتورة ندى الطلاق بأنه دواء مر وعلقم لا يمكن استساغته إلا في الحالات الشديدة نظراً لتأثيره ونتائجه العكسية على الأطفال الذين هم ضحية هذه الظاهرة وخاصة عند انفصال الزوجين وتولي رعاية الطفل من قبل الأقارب حيث يعيش الطفل بجو أسري غير سوي وبغياب والديه.
انحسار للنظرة السلبية
أما بالنسبة لنظرة المجتمع للسيدة المطلقة ووصمها بصفة الاستهجان فترى مواس هذا كان في فترة سابقة فقد كان الطلاق يسبب أزمة نفسية لجميع الأطراف وخاصة أهل المطلقة وأطفالها أما الآن بدأ ينحسر قليلاً وذلك لكثرة انتشار هذه الظاهرة وليس لتحسن نظرة المجتمع كما تقول مواس.
ختاماً :
سواء في الفترات السابقة أو اللاحقة لن يكن ما وصفه الخالق بأبغض الحلال إلا حلاً مكروهاً ذو تأثير سلبي سواء على الزوج أو الزوجة والأطفال ككل فقضية تفكك أسرة بالكامل لا تعني إلا الحل الأسوأ أو ربما الخلاص لطرف والألم لطرف آخر ، وهنا يبرز الحل الأفضل بأن يكون الاختيار في الزواج مبني على خطوات مدروسة وأسس سليمة لتفادي هذه الظاهرة فالعش الزوجي المتين الذي أسس على الود والصراحة والوعي لن تحميه صلابة الأشجار التي انبنى عليها بقدر ما يحصنه ويحافظ على بقائه تماسك الزوجين اللذين بتفاهمهما وحسن وعيهما وإدراكهما سيتمكنان من محق وسحق جميع الظروف وعقبات الحياة .
رقم العدد 15859