العوز المادي وانعكاساته على انتشار ظاهرة التسول و التشرد أو الطلاق..!! امتهان أعمال متنوعة للخروج من الحالة .. ٦٣ جمعية خيرية تقدم العون والدعم والمساعدة للأسر المحتاجة بحلب .. توفير بيئة عمل وتمكين المرأة

الجماهير/ جراح عدرة
لم يجد أبو محمد حلاً ومخرجاً لمواجهة الوضع المادي السيئ لرعاية وتأمين لقمة العيش لأطفاله الثلاث إلا العمل ليلاً ونهاراً موضحاً أنه من أسرة فقيرة، لتعود ذاكرته إلى أسوأ المواقف التي مر بها عندما طلبت منه إحدى بناته الصغيرات شراء ثوب جديد مع قدوم العيد كبقية الأطفال ولم يستطع تحقيق رغبتها لتسقط دمعته حزناً على ذلك الموقف الذي مضى ولكن بقيت آثاره الأليمة غصات موثقة في تفكير وذاكرة أبو محمد.
– نور عمرها ٨ ٢ عاماً تقول إنها من عائلة فقيرة وقد تفتحت عينيها على ذلك المنزل الكئيب المؤلف من غرفتين فقط لثمانية أشخاص وقد عاشت أسوأ حالات الحرمان قائلة إنها لا تريد أن تتذكر طفولتها التي حرمت فيها من كل شيء جميل يتمنونه جميع الأطفال من ألعاب أو لباس أو حتى طعام شهي مؤكدة أنها مازالت تعاني من سوء الأحوال المادية وخاصة مع ارتفاع وغلاء الأسعار وهي الآن تحاول تحدي الفقر ومواجهته لمساعدة أهلها في المصروف وتأمين المستلزمات المنزلية من خلال العمل ضمن ورشة خياطة وخاصة بعد تقدم والدها في السن.
– أما هلا بعمر ١٢ عاما فقد عبر بنطالها الجينزي المهترئ عن قصة معاناتها ووضعها المادي السيء ، إذ تعمل في بيع قطع الحلوى للمارة بين الحارات والشوارع و التي تجهزها والدتها في المنزل بهدف تأمين لقمة عيشهم بعد وفاة والدها كما تقول فلم نلحظ في عيني هلا إلا ألغاز وأسئلة عديدة تبحث عن الراحة والأمل في كل اللحظات.
وحول سوء الحالة المادية التي حملت في طياتها تعقيدات كثيرة و كان لها آثار سلبية على كافة الأصعدة في المجتمع سواء في انتشار التسول أو التشرد أو الطلاق او حتى الجريمة ، كان لابد من البحث والكشف والتحري عن أسباب تسلط الفقر وآثاره على المجتمع وخطورته وكيفية البحث عن الأداة الفعالة للتخلص منه .
– الأسباب الداخلية والخارجية للفقر
خولة زكريا رئيسة شعبة الرعاية في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل ترى أن الفقر مرتبط بالأسر التي تعجز عن تأمين الحاجات الماسة والضرورية وأهمها العلاج الطبي الذي هو بنظرها أهم مطلب لابد من تأمينه للأسر الفقيرة في حال عدم مقدرتها على تحصيله.
وعن أسباب الفقر بينت زكريا أن هناك أسباب داخلية وأسباب خارجية أما الداخلية فمنها المشاكل والخلافات العائلية التي تؤدي الى الطلاق والانفصال وبالتالي تشرد الأطفال الذين يصبحون عالة على الأقارب أو الغير أو ربما مرض ما يصيب معيل الأسرة (الأب) وعدم قدرته على العمل وبالتالي صعوبة توفر دخل لتأمين مستلزمات الأسرة إضافة الى غياب الحكمة والوعي في إدارة المصروف المنزلي للأسرة كانجراف الأب وراء الملذات الشخصية والإسراف و التبذير ليصلوا الى مرحلة الإفلاس والفقر وبالتالي تفكك الأسرة وسوء الوضع المادي الذي يدفعهم لطلب العون والمساعدة وأمور عدة .
وبالنسبة للأسباب الخارجية تقول زكريا إن أهمها الحروب والتي تؤدي لانتشار ظاهرة الفقر نتيجة الدمار والخراب وبالتالي فقدان عدد من الأسر لممتلكاتهم ومنازلهم وسبل عيشهم كالمحلات والأماكن التجارية التي كانت مصدر رزقهم وغيرها وهذا ما ينجم عنه التشرد والفقر والعوز مشيرة الى حجم الدمار والخراب الناجم عن المجموعات الإرهابية المسلحة التي عاثت فسادا في البلاد ودمرت ممتلكات ومنازل المواطنين الذين خسروا كل شيء في حين كان أغلبهم من الأسر المنتجة، وبعد الحرب الإرهابية الكونية أصبحوا من الأسر العاطلة عن العمل والتي تنتظر العون لتلقي الدعم وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية القاسية الناتجة عن الحصار الاقتصادي و ارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين سبل العيش.

– دور الجمعيات الأهلية
لؤي سكر رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية في مدينة حلب كشف أن هناك ٦٣ جمعية خيرية ضمن مدينة حلب تعمل في عدة اختصاصات سواء طبياً أو مادياً آو إغاثياً بهدف تقديم العون والدعم والمساعدة للأسر المحتاجة ضمن الامكانيات المتاحة والمتوفرة منوهاً الى أن الدعم لهذه الجمعيات يتم من خلال تبرعات أهل الخير والمنظمات الدولية المرخص العمل لها في الجمهورية العربية السورية وبإشراف مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل.
و يرى سكر أن ضيق ذات اليد هو المسبب الأكبر لأغلب القضايا والمشاكل الاجتماعية من طلاق و تشرد أو تسول و تفكك الأسر وغيره.
وعن كيفية دعم الجمعيات الخيرية للأسر الفقيرة يقول سكر : يتم تسجيل الأسرة المطالبة بالدعم والمساعدة من خلال ما يسمى الخارطة الإغاثية وبالتنسيق مع محافظة حلب سواء في مدينة حلب أو ريفها فكل جمعية مختصة بعدد من الأحياء وبعد تحقيق الأسرة المسجلة لعدد من النقاط (أسئلة يتم الإجابة عليها )تتعلق بعدم وجود عمل لدى معيل الأسرة وعدم وجود دخل مادي أو عدم القدرة على تعليم الأطفال و تأمين مستلزمات و تكاليف تدريسهم أو وفاة المعيل و عدم القدرة على دفع الآجار ووجود إعاقة أو مرض معين بين أفراد الأسرة وغيرها من الأسئلة وفي حال حققت الأسرة عدد النقاط والشروط المطلوبة يتم الكشف والتأكد أولاً من وضع الأسرة ومن ثم يتم تقديم الدعم ضمن الإمكانيات المتاحة لدى الجمعيات .
وعن أشكال الدعم التي تقدمها الجمعيات كشف سكر أنه يتم تقديم سلة غذائية دورية كل شهر أو شهرين حسب عدد أفراد العائلة إضافة الى مستلزمات منزلية أساسية لمرة واحدة ويمكن زيادتها في حال طرأ زيادة لعدد أفراد الأسرة وحسب كمية التبرعات الجديدة والمتوفرة وهذا مرتبط بالبرامج والدعم مشيراً إلى الدعم الصحي والطبي المقدم من قبل بعض الجمعيات مثل جمعية صندوق العافية والتي ساهمت وتساهم بتقديم الدعم الخيري للأسر الفقيرة إضافة للعمليات الطبية المكلفة كالقلبية والعينية منوهاً الى أن جمعية صندوق العافية تعتمد فقط على دعم الجهات المحلية و تبرعات أهل الخير.
كما بين سكر أن الجمعيات تساهم في تعليم أبناء الأسر الفقيرة من خلال ما يسمى جمعيات كفالة التعليم كجمعية البستان والإحسان وأهل الخير ونماء وغيرها من الجمعيات وفق برامج تشمل طلاب الشهادات ( الثالث الإعدادي والثالث الثانوي) من خلال تسجيلهم في معاهد تعليمية خاصة إضافة لمنح طلاب الجامعات المسجلة لديهم رواتب شهرية دورية لحين تخرجهم من الجامعة بشرط عدم رسوبهم والانتقال من سنة الى أخرى بهدف تكريس كل وقتهم للدراسة لتسهيل حصولهم على الشهادة الجامعية.
وأشار سكر الى الدور الكبير الذي ساهمت فيه الجمعيات الخيرية منذ بداية الحرب الإرهابية الكونية التي تعرضت لها البلاد بشكل عام ومدينة حلب بشكل خاص حيث كانت نسبة الدعم كبيرة جداً في عام ٢٠١٣ للأسر الفقيرة والمهجرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية الناجمة عن التخريب الذي كانت تقوم به آنذاك المجموعات الإرهابية التي عاثت فساداً وتخريباً وتدميراً لأغلب مناطق مدينة حلب وأضاف سكر إنه في عام ٢٠١٧ كان هناك حوالي ١٥٠ ألف عائلة مستفيدة من برنامج الأغذية العالمي وفي ٢٠١٨ تقلص عدد الأسر المستفيدة من برنامج الدعم بنسبة ٤٠% لينخفض في عام ٢٠١٩ الى حوالي ٢٠% وتم البحث عن برامج أخرى تتوافق مع سياسة إعادة الإعمار وهي برامج التمكين والتدريب والتأهيل ليتم نقل المواطن السوري من شخص عاطل عن العمل بسبب ظروف الحرب الى شخص منتج قادر على كفاية نفسه وكفاية عائلته من خلال نشر ثقافة العمل وتشجيع الدورات التدريبية والتأهيلية للأسر المحتاجة كنشر برامج معينة مثل متابعة التعليم وتأمين سلة غذائية أو الدخول الى سوق العمل والتسجيل بدورات تدريبة مقابل الحصول على الدعم أو من يريد الحصول على سلة غذائية دورية عليه متابعة تعليم أطفاله أو الدخول في الدورات التدريبية لتعلم مهنة ما والهدف هو محاربة البطالة وتحويل المواطن من شخص اتكالي عاطل عن العمل مستسلماً للظروف إلى شخص منتج وبالتالي مكافحة الفقر والبطالة ودفع عجلة الإنتاج والنجاح في تأمين مستلزمات العيش الكريم.

– أثر البطالة
بدورها ندى مواس دكتوراه في قسم علم الاجتماع كلية الآداب ترى أن الفقر هو حالة من العوز و الحاجة التي يعجز الفرد بسببها عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية والضرورية كاشفة أن من أهم أسباب الفقر هو التطور الذي يطرأ على واقع العمل الذي يعيش منه الفرد كأن يخسر عمله لسبب ما أو يتعرض لخسارات مادية مفاجئة أو ينشأ بأسرة معوزة بالأساس إضافة الى ارتفاع عدد الأطفال في الأسرة تزامناً مع انخفاض دخل الفرد.
كما حذرت مواس من تأثير البطالة وخاصة البطالة المقنعة والتي تعني لجوء بعض الأفراد الى الأعمال اللاإنتاجية ليصبحوا في هذه الحالة عالة على الفئات المنتجة.
وهنا كان لابد من تغيير النظرة تجاه الموارد البشرية واستبدال فكرة اعتبارها عالة على المجتمع وإنما هي ثروة اقتصادية لابد من استثمارها بطريقة صحيحة من خلال التدريب والتأهيل وإدخالها سوق العمل.
كما أوضحت مواس أن الفقر قد يكون من صنع الإنسان نفسه نتيجة تكاسله وتقاعسه أو عدم توفر الفرص المناسبة لإمكانياته وخبراته ومعارفه وهنا يتم الاعتماد على وظائف التكافل الاجتماعي لسد حاجته ولابد أن نشير هنا إلى أن تلك الفئة تعاني من عجزها عن إقامة أعمال ومشاريع تتناسب مع خصائصها العملية والمعرفية وهي بحاجة لموجهات اقتصادية واجتماعية لإقامة مشاريع خاصة تتناسب مع ظروفهم وتدريبهم على إدارتها.
وللحد من ظاهرة الفقر ومواجهة هذا الشبح المخيف تقول مواس لابد من قراءة متغيرات ظاهرة الفقر من كافة الأطراف النفسية والاجتماعية والاقتصادية وفق إجراء مسح ديموغرافي وإسعافي عام ورصد الحالة خلال ظروف الحرب كإجراء أولي سريع ورسم خريطة لنشاط العمل الاقتصادي لمعرفة مواطن العجز فيها والعمل على سد الثغرات وتعزيز نشاط العمل التطبيقي ودعمه وتبني سياسات جادة إضافة لدعم عمل المرأة وتوفير بيئة عمل مناسبة لها لمواجهة الصعوبات التي قد تعترضها عند إعالة أسرتها والانتقال بالشباب من مفهوم الطفولة الكبيرة بحيث ينتقل الشباب من الاعتماد على والديهم الى الاعتماد على أنفسهم.
– التعاون والتكافل الاجتماعي
الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة محاضر في كلية الشريعة بين أن جميع الشرائع السماويةحثت على ضرورة التعاون و التكافل الاجتماعي و التعايش مشيراً إلى مساوئ التبذير والإسراف والاحتكار الذي يؤدي الى رفع سعر السلعة وبالتالي صعوبة الحصول عليها ..
مشدداً على ضرورة الحث والسعي على العمل ووجوب نفقة الأغنياء على أقاربهم إن كان سبب الفقر عدم القدرة على العمل لبلوغ سن العجز و الشيخوخة أو وفاة رب الأسرة.
وحذر الشيخ كوكة من خطورة الربا والقمار والغش في البيوع حيث أنها تؤدي الى أكل أموال الناس بالباطل .
أخيراً لا بد من اتخاذ الإجراءات الوقائية والتدابير العلاجية و دور وأهمية الدراسات الإحصائية والاستبيانية المدروسة و الخطط البناءة والسباقة للتغييرات المفاجئة والمتوقعة في كل اللحظات وخاصة في زمن الحروب وذلك لإنقاذ الحالات المصابة وعلاجها قبل فوات الأوان.
رقم العدد ١٥٩١٨

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار