الصداقة .. البعض يؤكد أهميتها والبعض الآخر ينكر وجودها .. مختصون : أرقى أنماط الحياة الاجتماعية

الجماهير – نجود سقور
سُئل حكيم كيف تعرف ود أخيك ؟ قال: من يحمل همي ويسأل عني ويغفر زلتي ويذكرني بربي ، وفي قصيدة له يحكي فيها عن الصديق يقول الشافعي : سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا ، ولا تخفى علينا الإشارة في بيت الشعر هذا عن أهمية الصديق الصادق في حياتنا .
وقد تختلف نظرة الناس للصداقة ، فالبعض يفضل تجنب الصداقة خوفاً من تلقي الصدمات وما يتأتى عنها من فشل أو نجاح لتبقى الأمور نسبية ، والصداقة عموماً ﻻ تقاس بمدى قوتها وأبعادها وإنما بقدرتها على الاستمرار فلماذا الصداقة ؟ وهل سبق وتساءلنا عن الصديق ؟ ومن يكون ؟ والأهم هل نملك حقاً أصدقاء؟ وكيف نحدد الصديق ؟ .
ليس مؤكداً أن أسئلة كهذه تطرقت الى أذهاننا لأنها بدهية ولكن الصداقة كعلاقة تجمعنا بالآخر ضرورية وهي علاقة عطف ومحبة ومودة بين الأشخاص أم ماذا ؟.
جاء في معاجم اللغة أن الصداقة مفهوم يستخدم للتعبير عن علاقات الحب والمودة بين الأصدقاء ومن مرادفاتها المخالة وتعني الصداقة والمصادقة ، وعرفها علم الاجتماع بأنها علاقة متبادلة بين شخصين أو مجموعة تقوم على الحب والألفة وإظهار الود والعاطفة والميول والثابت في هذه العلاقة أنها دائمة مبنية على تشابه الاتجاهات والميول وتوافق الأفكار والعقول ولا تحتكم على الأطماع الشخصية والمكتسبات الفردية بل تتشكل برباط ودي متين يؤدي دورا جوهريا في حياة الأصدقاء .
من هنا كان لابد من طرح هذه التساؤلات على عدة شرائح في المجتمع للبحث فيها ، وبين مد وجزر تعددت الآراء وتباينت .
وجود الصديق خفف مصاعب الحياة
وكما أسلفنا يتساءل العديد من الناس عن الصداقة وأهميتها ، فالبعض يقول بوجود الصداقة وضرورتها مثل سناء موظفة في الكهرباء التي قالت :هي علاقة يغلب عليها طابع المحبة والمودة وحب الخير للجميع ولها ارتباط بالعشرة فكلما زادت المدة التي يتعامل بها الأصدقاء قويت العلاقة ، وتوطدت مبينة أنه بوجود الرفقة الجيدة يشعر المرء بالأمان فالحياة مليئة بالمصاعب ووجود الصديق يخفف من تلك المصاعب ويقلل من وطأة الشعور بالوحدة.
ويقول المدرس مصطفى : للصداقة تأثير كبير على حياة الشخص، فالشخص يقوم بتشجيع ودعم صديقه بالأمور الحسنة ويغض الطرف عن عيوب صديقه ، منوها إلى أن الصداقة الحقيقية تقوم على النصح بين الأصدقاء وتحمل ظروف بعضهم البعض وتعمل على سد الفراغ الأسري الذي يواجهه الفرد أحياناً عند حدوث سوء فهم مع الأسرة وكثيراً ما تساعد الصداقة على التنفيس عن المشاعر سلبية كانت أم إيجابية.
أما حسن فبدأ حديثه بالقول : من منا ﻻ يعرف المقولة الشهيرة الصديق وقت الضيق ، فالصديق سند صديقه مضيفاً أن الصداقة ليست مجرد علاقة عابرة بل حياة وذكريات وهموم وأفكار مشتركة ثم أردف الحمد لله الذي وفقني بأصدقاء يندر أن يجود الزمن بمثلهم .
– أساسها الصدق مع الذات
في حين يرى البعض الآخر بأن الصداقة الحقيقية غير موجودة وباتت عملة نادرة في طريقها للزوال في عصر تميز بالماديات والضغوط هذا ما قاله أحدهم ووافقته الرأي أريج طالبة جامعية حيث عانت من خيانة صديقتها التي خانتها مع خطيبها فكانت فاجعتها في الاثنين وأكدت أنه ﻻ وجود للصداقة بين فتاتين وأصبحت تثق بالصداقة بين شاب وفتاة أكثر من ثقتها بصداقة فتاة لأخرى حيث تحكمها الغيرة والأنانية وحب التملك لكل شيء لديك.
وهناك من تساءل عن كيفية إقامة صداقة وثيقة في زمن عز فيه العثور على الصديق المخلص وكيف نفرق بين الصداقة الحقيقية وصداقة المنفعة وكيف نهيئ الظروف المناسبة لإقامة صداقة وضمان استمرارها .
معظم الأشخاص أكدوا أن أهم أسس الصداقة السليمة أن يكون الشخص صادقاً مع نفسه ومع الآخرين وقادراً على تفهم جوانب أبعاد شخصيته وخفض سلبياتها قائلين.. إذ لم يكن الشخص منا قادراً على تفهم نفسه وتقبل جوانب النقص عنده فكيف سيقيم صداقة مع الآخرين حسبما قالت رنا وسهاد وسعيد ، وقال علي : ليس هناك صداقة بدون صفة الصدق والإخلاص وهذا ما يميز الصداقة الحقيقية عن المزيفة وهو ما تعتمد عليه من صدق في الأفعال والأقوال ، مضيفاً أن الصديق الحقيقي هو الشخص الذي نجده جانبنا دائما فيفرح لفرحنا ويحزن إذا أصابنا مكروه ويواجهنا بعيوبنا دون نفاق ومواربة.
– اختيار الصديق
قيل كثيراً عن مواصفات الصديق وطرق اختيار الصحبة الجيدة صديقك الحقيقي هو كاتم أسرارك ﻻ يبوح بها يقف إلى جانبك في السراء والضراء يسديك النصح بكل صدق يسامحك يغفر ذنوبك ﻻ يقف على خطأ صغير ويحفظك ويحترمك في حضورك وغيابك ، وفي هذا السياق تقول هديل طالبة في كلية الزراعة : على الشخص أن يعرف كيف يختار صديقه من البداية وأن يكون متيقظا لاختياره حتى تثبت الأيام والمواقف ماهية هذا الصديق ، لافتة إلى أن الناس ليسوا متشابهين فلا تعرف من أين تأتيك الطعنة ، مشيرة إلى عدم التعمق بالصداقة والخوض في الخصوصيات لئلا تندم ساعة ﻻ يفيد الندم شيئا ، وقالت هي تسامح صديقتها إن أخطأت ولكن تبقى العلاقة بعدها سطحية ولا تعود لسابق عهدها.
وقالوا اختر الشخص الثابت بمواقفه ولا يتغير حسب الظروف اختر الشخص المتميز برجاحة عقله ومنطقية فكره وابتعد عن الجاهل الذي سيؤذيك بجهله وابحث عن الإنسان الذي لا يخون عهدك ولا ينقض ودك والذي لديه إيمان صادق لأنه سيخاف الله فيك .
أما إذا كان للصداقة حقوق قال أحمد: نعم للصديق حقوق على صديقه منها ألا يتكلم بسوء عنه في غيابه ولا يفعل شيئا يضر بمصلحته ويقدم له النصيحة ولا يتصيد أخطاءه ويلتمس له العذر في ردود أفعاله وأوجبها أن يحفظ سر صديقه ولا يغدر به.
– صداقة العمل
أثناء التجول في أروقة بعض أماكن العمل سألنا عددا من الموظفين عن إمكانية وجود صداقة في العمل فذكروا أنه يوجد صداقة مع بعض التحفظات .
تقول أسماء بناءً على تجربة شخصية وواقعية نقضي معظم وقتنا بالعمل وأحيانا أكثر مما نقضيه بالبيت وعليه تظهر أهمية وجود زميل في العمل الذي يتحول مع الوقت إلى صديق ، لافتة إلى أنه بوجود هذا الصديق ﻻ تشعر بالملل ويمنحك الدعم ويعزز لديك مصادر التواصل والثقة بالنفس ، وتؤكد زميلتها وصديقتها زملائي بالعمل مقربون مني جداً ونقضي معاً وقتا طويلاً وحتى تجمعنا مناسبات اجتماعية خارج أوقات الدوام ، وتستأنف حديثها قد تطرأ بعض الإشكالات الصغيرة لكن بفعل الصداقة المتينة سرعان تتلاشى هذه الإشكالات ، منوهة بأن الصداقة تخفف من توتر وضغط العمل وترفع من المعنويات وتعزز الإنتاجية.
بينما أسعد موظف في قطاع خاص يقول أعتقد أنه ﻻ تجتمع زمالة العمل مع الصداقة كلاهما مختلف عن الآخر لأن العلاقة بين الموظفين تبقى محكومة بضوابط العمل ويلعب التنافس والغيرة الدور الأساسي فيها ولهذا برأيه من الصعب تشكيل صداقة في العمل وهو أمر صعب في أكثر الحالات.
الصداقة مطلب حياتي وحاجة اجتماعية
يرى أستاذ الصحة النفسية الدكتور محمد قاسم عبد الله أن الصداقة أحد أشكال التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والإنسان كفرد يعيش في بيئة اجتماعية فيها الكثير من المتطلبات والحاجات الاجتماعية والنفسية والتي لا تتحقق إلا مع الآخرين وخاصة الحاجة للمكانة والتقدير والانتماء والمحبة ، مبيناً أن العلاقات الاجتماعية تأخذ أشكالاً عدة منها الصداقة والمحبة والتجاذب الاجتماعي وتعتبر الصداقة شكلاً راقياً للتفاعل والعلاقات مع الآخرين وحاجة اجتماعية ومظهر من مظاهر الصحة النفسية لأنها تتضمن حالة انفعالية نسميها التعاطف الوجداني وتقدير الذات الذي يرتفع من خلال استحسان الآخرين حيث تبنى الصداقة على قاعدة من وتفهم الآخر وتبادل الأفكار والحوار ويدخل الجانب المعرفي فيها فتنمو الشخصية وتنضج اجتماعياً وانفعالياً.
وتطرق الدكتور عبدالله الى أن التربية و التنشئة الاجتماعية وخاصة الأسرية تلعب دوراً مهماً فيها كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد عاملاً مهما نشوء الصداقة واستمراريتها أو توقفها وتابع من جهة ثانية تلعب آليات الدفاع النفسية دوراً مهما في طريقة التعبير عن الصداقة مثل الإسقاط والتماهي والتبرير والإزاحة ، مشيراً إلى أن الفرد قد يتماهى مع شخصية فرد يرى فيه الكثير من الصفات التي يرغب بها فيها قد ﻻ تتواجد عنده وبالتالي تحمل قيم عليا لديه إلا أن التماهي والتوحد مع اﻵخر يفسح المجال للتعاطف الوجداني والمشاركة الانفعالية مع الآخر لتبلغ درجة من التسامي والانسجام ولكن هذا ﻻ يعني أن علاقة الصداقة ﻻ تتخللها مواقف تنافر أحياناً أو نزاع بسبب نمط شخصية كل فرد والموقف الذي يسيطر على الحالة .
وبالنسبة للصداقة في العمل يقول هناك دائما تحفظ بين زملاء العمل تمنعهم من تكوين صداقات مستمرة وهي خاضعة لمجموعة من المؤثرات أولها الرغبة في التفوق على الزملاء وتحقيق الذات الى جانب ضغوط الحياة الخاصة بكل شخص ويضيف أن التعامل اليومي في بيئة العمل يخلق لدى العامل حالة من التعود تفرض عليه إنشاء علاقات يحددها لتكون مجرد علاقة زمالة عمل أو تتطور لتصبح صداقة حقيقية وتتنوع العلاقة المهنية التي تهدف إلى إنجاز عمل وتنتهي بانتهائه أو علاقة شخصية يحكمها حب وتكافؤ بين الطرفين ، ويؤكد أن أهم النقاط التي تسهم في وجود بيئة عمل ناجحة هي الترابط والشراكة والتعاون والتنافس الشريف والتي بكليتها تؤدي إلى تحسين الأداء من العمل وزيادة الإنتاجية.
الحفاظ على الصديق أهم من اكتسابه
وبدوره قال المرشد الاجتماعي رجب قرمو :إن الصداقة هي أساسيات معنوية ونفسية تعجز الماديات عن تحقيقها فالتآلف والتواد والتآخي وإيجاد المتشابهات بين الأفراد حالة معنوية وتنمى بالتقارب السلوكي والأخلاقي والذهني لتلعب دوراً مميزاً في حياة الأصدقاء بالتفريغ النفسي والمعونة المادية ومبادلة التفكير ومشاركة المشاعر والمواقف والحالات الحياتية بشتى تصنيفاتها.
وتوضح الدكتورة رنا جابي أستاذ علم نفس في كلية التربية أن الصداقة ليست علاقة سطحية بل علاقة عميقة وجوهرية ومترسخة في صلب الطبيعة الإنسانية كحاجة أساسية مبينة أنها أرقى أنماط الحياة الاجتماعية لأنها تؤدي دورا حيويا في حياة الأصدقاء وطريقة تفكيرهم وشعورهم وأفعالهم .
وتستطرد قائلة من الخطأ القول بعدم وجود صداقة حقيقية أو أنها عملة نادرة هذه الأيام مبينة أن على الشخص أن يقوم بمحاولات جادة لإقامة صداقة على أساس سليم وتتابع إن اختيار الصديق ﻻ يقف عند مجرد أن يتعرف كل طرف على الآخر وإنما يستمر ذلك إلى ما بعد الصداقة من أجل الحفاظ عليها شارحة أهم السبل التي يمكن أن تكون داعما من دعائم الصداقة وتساعد على استمرارها مثل حسن المعاملة والأسلوب الطيب والتعاون هذا إلى جانب التماس الأعذار للصديق الذي يتسم بطبيعة الحال بحسن الخلق والسلوك.
في النهاية اعتبر أرسطو الصداقة فضيلة ضرورية للحياة الجماعية أو المشتركة “فالإنسان ناقص بالحاجة تام بالطلب ” مما يعني أن الإنسان لا يتحقق له الكمال إلا باتحاده مع الآخرين وأن إنسانية الإنسان لا تتحقق إلا بالاجتماع ،فعندما يستبد بالإنسان هذا الشعور الكئيب بانعزاله تبرز الحاجة الماسة لذات أخرى أو لوجود صديقا يتوحد معه وينعكس انعكاساً صادقاً يؤكد وجوده ويدعم كيانه .
رقم العدد ١٥٩٢١

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار