الجماهير – أسماء خير
العالم بأجمعه منذ أن تفشى فيروس كورونا بمسماه العلمي( كوفيد- 19) وهو يمر بأزمة مخيفة جذورها غرست أشواكاً من الخوف والقلق النفسي في ذات كل إنسان، فأصابته بحالة من التبعثر الداخلي، تشير في مداها البعيد إلى فقدان هذا الإنسان لبعض من العقلانية في التصرف أو التفكير، وفي هذا الاستطلاع سيستشعر القارئ، من تصرفات أناس وقفت معهم الجماهير للحظات، تعبيراً دقيقاً عن سلبية الخوف والقلق التي تحولت إلى فوبيا..
زياد طالب جامعي يقول: لقد بدأت أخاف من لمس كل شي، لقد أحالني كورونا إلى شخص لديه رهاب من المرض، فإن لامست أقدامي الأرض أخشى أن أكون قد أصبت، التعقيم كل خمس دقائق أصبح شغلي الشاغل والكمامة لاتفارق وجهي، والقفازات لاتفارق يدي .حتى أني أتجنب الاختلاط بأي أحد، فكل من يظهر أمامي أعتبره (مكورن) ..
بينما لميس مدرسة جغرافيا تقول: لقد أصبح كورونا يتمثل لي كشخصية زومبي في الأفلام، ويشكل لي رعباً حقيقياً، فزجاجة الكحول أصبحت تلازمني أينما ذهبت. لقد أصبح المرض كالكابوس يجثم على صدري ويقض مضجعي.
ليلي ربة منزل تقول: أصبح لدي هوس في النظافة، منذ أن أستيقظ صباحا أجعل البيت في حالة استنفار كلي ونبدأ بالتعقيم، وننثر الكحول في كل مكان، بالإضافة إلى أني أحرص على شراء أية معقمات ومطهرات تنصحني بها جاراتي أو صديقاتي .
فيما قال أبو خليل: أخاف أن تطول مدة الحجر، لقد أصابني حالة من الهلع من أن يستمر هذا الوضع إلى مالانهاية “لاسمح الله”. مبيناً بأن الخوف من أن يصبح الوضع أسوأ هو السبب في تخزين وشراء المواد الغذائية المختلفة.
أما أم راضي فتقول الإشاعات حول حظر التجوال الكلي أصبحت كثيرة، وهي تصيبني بالذعر، ولأن زوجي عسكري، وليس لدي من يؤمن احتياجاتي، أردت أن أشتري أكبر قدر من الحاجيات الضرورية حتى تنتهي هذه الأزمة، ولكن غلاء الأسعار منعني من تبضّع كل شيء .
رامي متزوج ولديه طفلتان، أوضح أن فيروس كورونا تحول إلى فوبيا، أصبحت عائلته تضطرب وتخاف لمجرد أن تسمع أن أحدهم أصيب بالرشح أو بسعال خفيف، أو ارتفعت درجة حرارته، لقد جعلهم كورونا يعيشون حالة دائمة من القلق والإرهاق النفسي اللا منتهي.
وتقول مي الرفاعي: جارتي دخلت المستشفى وبقيت يومين في الإنعاش بسبب استخدامها المفرط وغير الآمن لأدوات التعقيم، من كلور وفلاش وديتول، وتضيف أمر مؤسف لقد أصبح لديها وسواس نظافة.
وبدورها أم روضة أخبرتنا بأن ابنتها تمضي جل وقتها في تنظيف يديها بالماء والصابون والمعقمات حتى أن يديها بدأتا بالتشقق والاحمرار بسبب الإفراط في استخدام المنظفات.
أما رولا أم لثلاثة أطفال تقول: باتت النشرات الطبية ومتابعة الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي لاتغيب عن نظري، لقد أصبح لدي إدمان المتابعة؛ لأعرف كل ماهو جديد عن هذا المرض، وتنفيذ كل طريقة من الممكن أن تقيني منه معلقة بخوف ” الله يبعد شرّه عنا”.
وأم أحمد تقول: أصبحت أرى المرض كالعدو الذي يتربص بي وبعائلتي؛ ليفتك بنا، ومع هذا “أحمد الله” على كل شيء. جلّ خوفي أن يكون الآتي أعظم، وآمل أن يكون لدينا القوة النفسية والجسدية للتصدي لهذا المرض الذي جلب الموت للكثيرين.
ومن جهته سامر قال: مايسيطر على تفكيري دائماً حدوث الأسوأ، إن النتائج الكارثية لهذا الفيروس التي تأتي بناء على التقارير العالمية تخيفني. صار لدي حالة شديدة من الحزن والاكتئاب إضافة إلى الفراغ الذي بدأ يفتك بي، فأعمالي كلها تعطلت.
وتعليقاً على هذه التصرفات المبالغ فيها بسبب الهلع من” فايروس كورونا” أوضحت فاطمة خليل المرشدة النفسية: لقد لعب الإعلام دوراً كبيراً في عملية التهويل والتضخيم وبما أن فيروس كورونا يحتل الصدارة في الأحاديث اليومية، والمساحة الأكبر من الأخبار التي مازالت تؤرق العالم، ويعتبر في وقتنا الحالي المشكلة الرئيسة التي أدت إلى توقف جزئي لمختلف مفاصل الحياة الطبيعية التي اعتاد عليها الإنسان، فمن الطبيعي أن تظهر مثل هذه الحالات التي يكون جلّ اهتمامها هذا الفايروس وطرق الوقاية منه؛ لتصبح الحياة تدور حول استخدام المعقّمات وغيرها من السلوكيات الوقائية.
كما أكدت خليل أن ماقيل من تصرفات مبالغ فيها هو نتيجة الفراغ والإشاعات التي صاحبت هذا المرض. وأن هذه التصرفات تتفاقم وتصبح مشكلة مرضيّة فقط لدى فئة قليلة من الناس الذين لديهم خوف وقلق زائد عن الحد حول كل شيء، وهنا يتحول الموضوع لديهم إلى فوبيا مرضيّة، وهذا دليل على أن لديهم هشاشة في الصلابة النفسية وعدم مقدرة على التعامل مع الأزمات، ولكن ليس من الضرورة بمكان أن ينطبق هذا على الآخرين، فكل إنسان يختلف في درجة التحمل والقدرة على التعامل مع الأزمات عن الآخرين.
ثم أشارت خليل إلى أنه كي تتلاشى لدى الإنسان جميع المخاوف والوساوس، يجب عليه أولاً أن يفوّض أمره إلى الله ويتوكل عليه ويؤمن بأن “لن يصيبنا إلا ماكتبه الله لنا”، فهو يعتبر الحل الأمثل للراحة النفسية والشعور بالطمأنينة، صحيح أن الخوف والحذر أمران واجبان وضروريان، ولكن لا أن يزيد عن الحد “فما زاد عن حدّه انقلب إلى ضده”. ثانياً التفكير بمنطق وعقلانية ودحض الأفكار اللاعقلانية بالإيحاء الذاتي والحديث الداخلي الإيجابي، هذا الأمر أيضاً يعدّ حلاً مفيداً يولد شعوراً بالمقدرة على التعامل مع مختلف أنواع الأزمات. ثالثاً الاطلاع على تجارب الآخرين الذين خاضوا مشكلة مشابهة للتي يعاني منها. رابعاً وهو الأهم إدارة الوقت في أشياء مفيدة، وعدم هدر الطاقة بالتفكير في النتائج السلبية.
وخلاصة القول: الخوف لامناص منه واتخاذ الإجراءات الوقائية أمرٌ ضروري ومحبب، ولكن لاتجعل فيروس كورونا يؤثر على حياتك ويفقدك العقلانية والاتزان، فلا تهدر جهدك ووقتك بالتفكير بالمخاوف والوساوس وبما هو أسوأ، استثمر وقت فراغك الذي أتاحه لك فيروس كورونا بما هو مفيد. إنه وقتٌ استثنائي اعملوا على استغلاله في تحقيق أمانكم النفسي.
رقم العدد ١٥٩٩٨