أدباء وفنانو حلب التشكيليّون يحطّمون جدار العزلة بحراك أدبي وفني

الجماهير – أسماء خيرو

فراغ بإيقاع ثقيل وعزلة معاصرة لم يستعد لها أي أحد فرضها فيروس كورونا على العالم أجمعه كنوع من أنواع الوقاية للحد من انتشاره .
وبما أن الفن في أعمق مستوياته احتجاج وتمرد على ماهو كائن على حد قول “هربرت ماركوز “.
كان للجماهير وقفة مع عدد من الفنانين التشكيليين والأدباء لسؤالهم عم يفعلونه أثناء فترة حظر التجول، بعيدا عن الصحبة والرفاق والمناسبات الاجتماعية والفعاليات الثقافية التي طالها الحظر كما طال كل شيء .

الحظر فرصة لمزيد من الكتابة والإبداع
يقول الشاعر محمد حجازي: فترة الحظر قد تكون مثمرة للبعض ومعيقة للبعض الآخر، ولكن بالنسبة لي كانت فرصة سانحة لمزيد من القراءة والمطالعة.قرأت في عزلتي ٤ روايات عربية وأجنبية، كما اطلعت على أبحاث نقدية أفادت ذخيرتي في النقد، وعمقت من رؤاي الأدبية، وقد كتبت قصائد عديدة منها مستوحى من أزمة كورونا، كما أني بصدد كتابة رواية قد يكون عنوانها (الحب في زمن كورونا ) وقد أنجزت الخط العام للرواية. الفراغ لاينتصر إلا على النفوس الهشّة، أما أنا فلقد أتاح لي فرصة لإجراء رصد لتأثير الأزمة الصحية على الواقع الأدبي والشعري، ولقد وجدت نتاجاً مهماً على مستوى الوطن العربي، هذا النتاج متأثر بهذه الأزمة، مازج بين حالات الحب وكورونا وحالات الفقر، وهذه مقتطفات من قصيدة كتبتها في فترة حظر التجول: ( هذا الحزن لي وحدي/ فابقي بعيدة حيث أنت/ كي تكوني آمنة في عزلتك/ ضلال أن أحبك الآن/ ونحن نرتب الزهور/ قاب قوسين وقبر ) ..
فيما تقول الكاتبة منى تاجو: الحظر منحني فرصة لمزيد من الكتابة حيث أقضي معظم وقتي على شرفة المنزل في الكتابة بصحبة الموسيقا الهادئة، ثم آخذ قسطاً من الراحة، وأستأنف يومي بممارسة هواياتي، والتواصل مع الأصدقاء والصديقات بالحوار على منصات “الواتس آب “والماسنجر”، وبعد ذلك أخصص وقتاً لأحفادي لتنمية حب المطالعة لديهم والأشغال اليدوية، وبعد ذلك أتابع النشرات الإخبارية وكل ماهو جديد عن فيروس كورونا.

الحظر مدعاة للتأمل والفهم
زاوين برداقجيان فنان تشكيلي قال: حظر التجول بالنسبة لي كان مدعاة للفهم والتأمل والإبداع، صحيح أن هذه المرحلة جمّدت بعض نشاطاتي الفنية التي كان أهمها المعرض (الجماعي للنسيج السوري) برعاية القنصلية العامة لجمهورية أرمينيا بحلب، إلا أنها أتاحت لي الوقت لأجري تحليلات دقيقة ودراسات عميقة ومهمة عن الوضع غير المفهوم. إنني أحاول أن أفهم اللعبة الكبيرة الجديدة التي وراء فيروس كورونا، وأجسدها في أعمالي الفنية. أنجز خلال فترة الحظر عملين فنيين الأول باسم (على العالم أن ينفض ذاته؛ ليولد عالم جديد بعيداً عن النفاق ليستطيع أن يعيش الصدق والأمان) والثاني بعنوان (صورة جديدة للعالم معبأة بالرسائل والمفاهيم الجديدة للحياة القادمة التي سنعيشها).

بينما الفنان التشكيلي خلدون الأحمد يقول: الحظر لم أتأثر به على الإطلاق، فالفنان دائما يبحث عن مناخ هادئ حتى يأخذه إلى أقصى حدود الإبداع والتأمل، لذلك الحظر أتاح لي مناخاً جعلني أصوغ من الحرف لغة إيقاعية ومادة خام للإبداع. أبدأ يومي بالرسم حتى أني أنهي كل ست ساعات لوحة، حيث أني أقضي معظم يومي في المرسم باحثاً فيه عن جماليات الخط وعلاقته باللون، وأحاول في كل يوم أن أقدم رؤية تشكيلية جديدة ومميزة لجماليات الخط العربي ضمن إيقاعات اللون ورمزيته .

الحظر يبلسم بحراك ثقافي
الأديبة سها جلال جودت لم تسمح هي وأصدقاؤها الأدباء للحجر الصحي والحظر الوقائي من إضاعة أوقاتهم سدى إذ قالت: بالتفكير الناضج نعيد للحياة رونقها ونبلسم الحجر الصحي بحراكنا الثقافي. وبما أننا اليوم نعيش حصاراً من نوع جديد، حصاراً أوقف عجلة الحياة وجعل العالم بأجمعه يعيش حالة من السبات غير السريري، فقد توجهت بصفتي أديبة ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء اللغة العربية من خلال منصة موقع (الواتس آب) لضم النخب الثقافية من حلب وخارجها على مساحة الوطن الأم سورية. ومن ثم توجيه دعوة لكل من يملك الكفاءة العلمية والثقافية والإبداعية كي يشاركنا حراكنا الثقافي، وكأننا على منابر الثقافة، لكي نشدو بأصواتنا الأبجدية. وتتابع: إن المجموعة أنشئت بعنوان (المتميزون من الأصدقاء).، وخصص يوم كامل لقراءة ونقد مادة أديب أو شاعر أو كاتب، وترافق هذه القراءة العديد من المداخلات، وبهذا استثمروا الفراغ بما ينفعهم جميعاً. وإضافة إلى ذلك خصصت وقتاً لإرسال مايصلني من فيديوهات ومقالات تحذر من مخاطر فيروس كورونا لجميع الأصدقاء.

أما الشاعر خالد حميدة فكانت الكتابة في فترة حظر التجول تشكل مرحلة للتخلص من القلق الذي نثره فيروس كورونا في الأجواء، والانتصار بالحياة على العزلة، حتى أن سؤالي أثار قريحته الشعرية محرضاً إبداعه الفطري فكانت هذه القصائد اللحظية ( توطيد- قصائد هايكو – قصة ومضة) وهذه مقتطفات من قصيدة هايكو إذ قال: (في وحدة البيت/ الجدران ملت وجودي/ أتنفس من هاتفي/ أتنفس من هاتفي سموماً عدة/ طوبى لأهل الصدق جنات تزدهي/ مستثمر الحجر) وإضافة لما أوحى له السؤال فلقد أشار حميدة إلى أنه خصص بعضاً من وقت الحظر للقراءة أكثر من الكتابة، إذ أنهى قراءة العديد من الروايات والدواوين ومنها (الرمز المفقود – ساق البامبو – ذات الشعر الأحمر – كزهر اللوز أو أبعد) وبعضاً منه لكتابة قصائد الشعر فلقد أنهى كتابة قصيدة (قلق نفسي في ٣١/ آذار وقصيدة أراجيز الوجد في ١٤/ آذار) وتصفح النت، وللقيام بالأعمال الخاصة بالمنزل، ومنها العناية بالنباتات. وهذه مقتطفات من قصيدة “أراجيز الوجد”:

من دمي/ كسبت ثلاثين عمراً ونيف/ بفضلك تكاثرت أناتي/ ولأجلك قطفت نجوم السماء/ لأنثرها في ساحات أحلامي/ أحلامي بك .
وختاماً، بالرغم من أن الإجراءات الوقائية فرضت الفراغ والعزلة والوحدة تحت مسمى “حظر التجول” وعكست مأساتها متمثلة بوقف دوران عجلة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلا أنها تقف اليوم حائرة أمام حاملي الفكر والفن والأدب والثقافة.
فكان الحظر بالنسبة لهم فرصة للتجديد والوحي والانتصار على مخاوف الذات؛ لتستمر الحياة بالنبض على وقع أنفاسهم الأدبية ورؤاهم الفنية.
رقم العدد 16001

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار