الجماهير.. بيانكا ماضيّة
احتراز
بعد أن أُغلقت كلُّ الطرقاتِ في وجهيهما، وحالت أبوابُ القلعة من أن يجتازا عتبتَها، بسبب احترازٍ من وباءٍ طاف في كلِّ البلدان، نادتهما شجرةُ توتٍ ضخمة، وهناك احتسيا قهوتيهما على زقزقةِ شمسِ الصباح..
في طريقِ عودتهما، قالت له: لاتنسَ أن تغسلَ ثيابَك من “كورونا”!.
أجابها: وكيف أغسلُها من عطرِك؟!.
____
سجنٌ محكم
قرأ الشرطي “يونس” قصةً قصيرةً جداً كتبتها إحدى القاصات عن اثنين جلسا تحت شجرةِ توتٍ؛ هرباً من الإجراءات الاحترازيّة الخاصّة بـ”كورونا”.
في اليوم التالي ذهب بطلا القصة القصيرة جداً إلى المكانِ نفسِه، فوجدا “يونس” قد سبقهما إلى شجرة التوت؛ ليمسكَ بهما متلبّسَين بتهمةِ الخروجِ عن القانون!.
لم يكن “يونس” يعرف أن الاثنين لم يكونا عاشقين من هذا الزمن، بل هاربان من سجنٍ أحكمَ قيودَه عليهما في صفحاتِ كتاب!
_
تحت شجرةِ التوت
قال لها: أسمعتِ بقصة البطلين اللذين خرجا من صفحات كتابٍ فأمسك بهما “يونس” هنا تحت ظلّ هذه الشجرة؟!
أجابته: بطلا القصة كاذبان، وهما يخفيان حبَّهما ولا يصرّحان..إنهما يتكئان على شخصيّتين افتراضيّتين!
قال: أترين هذه العصافير التي تتنقل من غصنٍ إلى آخر فرِحةً مزقزقة؟! أوَتظنين أنها كانت تموسقُ المكانَ قبل حضورِنا؟!..لقد جاءت تشاركنا فرحة اللقاء!.
سألته: وهل خرجت هي الأخرى من صفحاتِ كتاب؟!
قال: إنها لعصافير حقيقيّة لا افتراضيّة!
أجابته: وكيف أعرفُ أنا؟!
فقال لها: انظري في عينيّ تري الجواب!.
__
قبل الحظر بدقائق
لطالما سحرَ هذا المكانُ الخالبُ بطبيعتِه وخضرتِه وألوانِه حارسَ شجرةِ التوت.. فكثيراً ما كان يأتي إليه؛ ليتفقّد الشجرةَ وماحولها، وليطمئنَ إلى أن لا أحّد مدّ يدَه إليها، وليقلّمَها إن احتاج الأمر، وليسقيها من ماء عينيه؛ لتنمو!.
ساقيةُ ماءٍ على يسار الشجرة، وبئرٌ عميقة على يمينها، وبساط سندسي على مدّ النظر.. وكان كلما جاء الحارسُ إلى هذا المكان، فرشَ بساطَه وجلس يستمتعُ بفيءِ هذه الشجرة.
ذات صباحٍ جاء كعادته، فوجد دراجةَ “يونس” النارية، تلّفت حوله فلم يجد أحداً، دار حول الشجرة فوجد فنجاني قهوةٍ في ركنٍ قريبٍ منها، فأدركَ أن ثمّة اثنين كانا هنا في هذا المكان!..
ابتعد واختبأ خلف بيتٍ متهدّمٍ يبعد قليلاً عن الشجرة، ثم جلس يراقب ويترقّب..
بعد قليل جاء العاشقان إلى المكان، ففوجئا أيضاً بتلك الدراجة وهي مستندة إلى جذع الشجرة، وبعد دقائق جاء “يونس” ليأخذ دراجته، ففوجئ بالعاشقين!..
حارسُ الشجرةِ يتأملُ المشهدَ ويراقب.. تُرى ما الذي سيفعله “يونس”؟! هل سيقبضُ عليهما؟! لكن الزمنَّ يشير إلى ماقبل الحظرِ بدقائقَ قليلة! فما كان من الحارسِ إلا أن أطلقَ العنانَ لبندقيتِه استباقاً لأيِّ تصرّفٍ من الشرطي “يونس”!.. فطار الرصاصُ في الهواء، وطارت العصافيرُ التي كانت تزقزقُ على الشجرة، وفرَّ العاشقان، وما كان من “يونس” إلا أن ركب دراجتَه الناريةَ بسرعةٍ متجهاً صوبَ صوتِ إطلاقِ النار، وحين وصل إلى البيتِ المتهدّمِ رأى الحارسَ، وبكلِّ هدوءٍ أمسك به؛ ليلقّنَه درساً لا ينساه!.
رقم العدد 16012