معتقدات شعبية خاطئة حول الوقاية من فيروس كورونا..!! متخصصون ” للجماهير ” : الخطأ يكمن في الفهم القاصر والخاطئ للدين بعدم الأخذ بالأسباب .. التعاطي الشعبي مع الفيروس غير مبني على أسس علمية ومعرفية

الجماهير – أسماء خيرو
الواقع الذي فرضه فيروس كورونا وخاصة بعد تفشيه في جميع دول العالم، أضحى ليس لإنكاره أي سبيل، وبما أنه أصبح حقيقة جلية لا يمكن إنكارها، كان لزاماً على الإنسان أن يتكيف مع هذا الأمر آخذاً بالأسباب التي تقيه من أن يكون فريسة سهلة لهذا المرض.
ولكن مواقع التواصل الاجتماعي وأحاديث بعض من الناس في الشارع الحلبي تخبرك بما يسمى التعاطي الشعبي مع كورونا بمعنى لجوء بعض الناس لإسكات صوت الرعب والخوف الذي بداخلهم من كورونا باتجاههم نحو ماهو عاطفي على حساب ماهو عقلاني وعلمي، وذلك بالعودة إلى معتقدات شعبية موروثة تحمل بين ثناياها خرافات منهم من سلّم بها كدواء عقائدي يجنب الوقوع في المرض. فأي دور تلعبه المعتقدات الشعبية في الحماية من فيروس كورونا؟ ولماذا يلجأ الإنسان إلى المعتقد الشعبي والوصفات الشعبية بدلاً من العلم؛ ليواجه بها المخاوف والوساوس التي تعتريه في الأزمنة الصعبة؟
وللإجابة على هذه الأسئلة كان لابد ” للجماهير ” من الوقوف بداية مع أناس كان لديهم تجارب سابقة مع ما يعتقدون.
– أحاديث من الواقع
يقول ماهر: لجوئي للمعتقد الشعبي الذي تربيت عليه، وتوارثته عن أجدادي من تداوي بالأعشاب يمدّني بقدر كبير من الأمان والراحة النفسية بأنه لن يضرني شيء، وسيمنحني مناعة ووقاية من هذا الوباء المقيت .
فيما أمل وسارة أكدتا أنهما شفيتا من مرض الكلية وسرطان الحنجرة بلجوئهم إلى الإيمان الذي سيبعد شرّ كورونا، ويكسب الإنسان مناعة قوية ضد أي مرض، فالإيمان يسهم في رفع الحالة المعنوية والنفسية، ويرفع من معدلات السعادة لديه، وتلقائياً يتحسن الجهاز المناعي، ويكون سبباً للشفاء الجسدي والنفسي.
ويوافقهما الرأي أمجد الذي تحدث بمزاج يحمل بين حروفه الكثير من الثقة بالصمود بوجه المرض إن تفشى لا سمح الله إذ قال: نحن شعب تحمّلنا الحرب ووزرها على مدى تسع سنوات قهر وحصار أنهك أجسادنا، تحملنا مالم يتحمله إنسان في العالم، أصبحنا نقاوم كل شيء، فالوباء سنقاومه بمناعة وإرادة ذاتية ورثناها عن أجدادنا، وهي تمثل الحصن الأمين من هذا المرض.
أما عدنان فلقد عزا اللجوء إلى المعتقد الشعبي والوصفات الشعبية لعدم توصل العلم بعد عن إيجاد دواء لهذا المرض الذي تفشّى بسرعة ، معتبراً أن فيروس كورونا رسالة تقول للإنسان بأنه مجرد ضيف على الأرض، ولن يشفيه من المرض إلا الأعمال الصالحة والعودة إلى الفطرة السليمة، فالمرض- على حد قوله- امتحان وذكرى للبشرية جمعاء ولن يختفي إلا إذا لجأ الإنسان إلى خالقه بالدعاء .
ومن خلال التجارب التي ذكرت آنفاً، إضافة إلى تجارب نشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي، تعتمد على وصفات لا تمت للعلم بأية صلة، نجد أن هؤلاء الناس خرجوا من تجاربهم بمفهوم بعيد كل البعد عن العلم، يؤكد سيادة العقيدة الشعبية والأفكار الغيبية، لذلك وقفت ” الجماهير ” في اتصال مع أهل العلم والبحث الاجتماعي والنفسي للحديث حول ما قيل سابقاً.
– الفهم الخاطئ للدين
أوضح الدكتور في العلوم الشرعية الشيخ ربيع حسن كوكة أن العقيدة تعتبر أقوى ما يتشبث به الإنسان من أفكار، وهي التي تشكّل منبع القوة الداخلية ومحركها الأساسي، وخاصة في وقت الأزمات وهي قسمان: شعبية تضم العقيدة الصحيحة، ودينية لا يمكن المساس بها، إضافة إلى الموروث الشعبي الذي يحتاج إلى أدلة صحيحة، وقد توارثه الناس بكل ما فيه من صواب وانحرافات نتيجة لاختلاط الأمور وعدم التدقيق من قبل الناقلين، مما جعل بعض الحكايات تصل إلى مستوى الأسطورة، ورغم ذلك هي قليلة في موروثنا الشرقي بالمقارنة مع العقيدة الصحيحة.
وبيّن الدكتور كوكة أن هناك الكثير من الناس ممن يحملون قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا) شعاراً يسيّر كل حياتهم، وهم محقّون في ذلك، ولكنهم يفهمون تلك الآية على إطلاقها ويتناسون قول تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) مما يؤدي بهم إلى عدم الأخذ بالأسباب وتختلط عليهم الأمور من حيث الممارسة الحياتية وهذا مالم يقصد به في الشريعة، إذ أن الخطاب الإلهي يأمرنا بالأخذ بالأسباب والتوكل على مسبب الأسباب، وعندما نفعل تكون النتيجة كائناً ما كانت التي كتبها الله لنا.. مبيناً في ختام حديثه بأن الخطأ يكمن في الفهم القاصر والخاطئ للدين بعدم الأخذ بالأسباب، فالصواب هو الأخذ بكل مقتضيات الأسباب من حيطة وحذر ووقاية، وبعد ذلك يقوم الإيمان بدور الطمأنينة والأمان، فاليقين بالله تعالى بعد الأخذ بالأسباب، هو الأقدر على التغلب على أي طارئ صحي أو نفسي أو اجتماعي، وإلا فإن جميع المنظومة الوقائية سوف تختل.

– الطقوس الشعبية آلية لالتماس الحاجات والشفاء من الأمراض
بينما الدكتور محمد قاسم العبد لله أستاذ علم النفس في جامعة حلب يقول: على الرغم من المعرفة والعلم، إلا أن في عصرنا الحالي ماتزال الكثير من المعتقدات البالية تسود أفراد المجتمع بنسب متفاوتة، فالعديد من الأفراد تسيطر عليهم الأفكار الميتافيزيقية والغيبية في تفسير الصحة والمرض والأحداث اليومية التي يعيشونها، فأسطورة الأولياء والوصفات الشعبية والطقوس التقليدية سلوكيات مازالت شائعة، وهي امتداد لتلك المراحل في تفسير الظواهر، وهي مشابهة للتفسير وفق الجن والعفاريت والشيطان في تفسير الظواهر السلبية، فهناك من يشفى من الصرع وأمراض كالعقم والحسد، وهي أعمال شائعة في المجتمعات المتخلفة، فالأدعية والطقوس الشعبية تعتبر آلية لالتماس الحاجات وحل المشكلات والشفاء من الأمراض. إنها تعتبر أملاً سحرياً في الخلاص من خلال الاعتقاد بجبروت الأفكار والطقوس، وبمقدار انتشارها تعكس العجز عن التصدي للواقع بموضوعية، كما تعكس أعماق المجتمع والأفراد، من حيث الشعور بازدياد الضياع والإحباط والبحث عن الخلاص، إنها تحقق نوعاً من الاطمئنان إلى القدر، وتبث آليتها في الفرد المتألم والمتأزم من خلال قناعته بأن هناك جهة ستتولى حل الأزمة .
– الوصفة الشعبية للتحكم بصوت الخوف
كما أشار العبد لله إلى أن الذي ساعد على انتشار هذه الظواهر هو مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر الكثير من الشائعات والوصفات الشعبية، والتي تزداد حين يكون موضوع الشائعة ينطوي على خاصيتين: الغموض والأهمية، فهناك غموض بموضوع كورونا حول عدم وجود لقاح له، وهناك أهمية كبيرة له لأنه مرتبط بصحة الإنسان .
وتابع قائلاً: فمن جهة نجد أن العادات الاجتماعية وقفت عائقاً أمام تطبيق التحذيرات الرسمية والعلمية التي تتضمن عدم التقبيل والالتزام بالتباعد الاجتماعي، إضافة لعدم أخذ الفيروس على محمل الجد، فالعدوى ينظر إليها ببعض من السخرية كما شاهدنا في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يدل على أن التعاطي الشعبي مع الفيروس لم يكن على أساس الموضوعية والمعرفة العلمية بأنه فيروس من الممكن أن يطوّر نفسه.
ومن جهة ثانية هناك البعض من تغلب العاطفة لديهم على حساب العقلانية والعلم، إذ لديهم الحاجة لإشباع عاطفة داخلية للتحكم بعاطفة الخوف، فالخوف ليس أقوى من الإيمان بل إن الهدف من صوت الإيمان هو تهدئة الخوف الأصلي عند الإنسان .
و نوّه العبدالله إلى أن المعرفة العلمية والركون إلى العلم والثقة بالأخبار الرسمية هي السلوك الواجب اتباعه لمواجهة الأزمات أياً كان نوعها.
وخلص إلى إن سبب لجوء البشر إلى المعتقدات الشعبية والوصفات المختلفة وقت الأزمات هو انقياد الإنسان لما يدغدغ عواطفه، ويلامس احتياجاته، ويولد الطمأنينة لديه، ويتحكم بصوت الخوف الذي يصرخ في اللاشعور.
وختاماً لا ننكر أن للخوف سلطة على الإنسان ولا ضير بأن يلجأ الإنسان إلى ما يشعره بالأمان، ويحقق له الوقاية من أي مرض، ولكن ليس على حساب إلغاء المعرفة العلمية التي هي أساس لاستمرار البشرية، فالجهل إن حل محلّ العلم يفضي إلى الضعف، وربما إلى الفناء والتلاشي، فاستمرار البشرية منوط بما هو عقلاني وعلمي.
رقم العدد ١٦٠١٥

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار