الجماهير- بيانكا ماضيّة
لم ينتهِ (حارس القدس) هذا العمل الرائع (المبارك) الذي لم يلقَ عمل فني في تاريخ الدراما السورية نقاشاً وجدالاً حوله كالذي لقيه هذا العمل، فما أثاره كان له صداه على أصعدة عديدة، وسيكون له صداه المدوّية أكثر في قابل الأيام. وماذاك إلا لأنه عمل يستحق أبطاله كل المحبة والتقدير والتكريم على ما أنجزوه وثائقياً فنيّاً من سيرة هذا المناضل القومي العروبي المطران إيلاريون كبّوجي الذي تتشرف سورية بأنه ابنها، ولأنه عمل يحمل من الدلالات الكثير الكثير وماعلينا سوى الولوج في تفاصيلها بمفاتيحنا المتعددة الاختصاصات.
رحل كبّوجي المفكّر في آرائه القومية الوطنيّة، والجندي في حمله سلاح الموقف والكلمة، سلاح خبّأه بين طيات أشيائه يلازمه المفتاح، ليحفظهما ومن ثم ليعهد بهما إلى كل من حمل جذوة النضال والتحرير، تحرير القدس، وهل هناك عودة لهذه المدينة المقدّسة، وهل من سبيل لكل المفاتيح القديمة، التي يحلم الفلسطينيّون بفتح أبواب بيوتهم من خلالها، إلا السلاح؟!
رحل كبّوجي، ولكنه لم يمت، رحل ولكنّ هناك آلاف الكبوجيين الذي ساروا ويسيرون على طريقه التي كان السيد المسيح قدوته فيها ورمزه في الدفاع عن حقوق المظلومين، وفي سيره طريق الجلجلة وصولاً إلى الخلاص من الشرّ والقهر والظلم!.
النهايات المأساوية التي شهدناها في الحلقة الأخيرة من العمل، ليست نهايات، بل هي بدايات تنتظر المفتاح والسلاح ليكون التحرير، فكما حررت حلب مدينة الكبّوجي ذات ليلة ماطرة بفضل السلاح الذي حمله جنودنا الأشاوس فقاوموا ودافعوا به عن هذه المدينة فاستطاعوا طرد الإجرام وحاملي سلاحه وفكره، كذلك الأمر لايمكن أن يتحرر شبر من أراضي فلسطين المحتلّة إلا بالسلاح، إلا بمقاتلين يعرفون ويعون جيداً أن القدس تعود بالدبابات والصواريخ وبالسلاح الفتّاك لا بالمفاوضات!.
ليست نهايات تلك النهايات، فالطفل الذي لم يكن معروفاً مصيره واتضح مقتله على أيدي العصابات المسلّحة في حلب، لم يمت، فهنالك مئات بل آلاف الأطفال الذين مازال المستقبل أمامهم ليعيدوا بناء كل ماتهدّم من تاريخ ومن حضارة ومن طريق نضال!..
رحل كبّوجي بعد أن اطمأن قلبه على تحرير حلب مدينته الحبيبة، ولكن لن ترتاح روحه إلا بتحرير مدينته الثانيّة، القدس!.
(حارس القدس) أيها المطران إيلاريون كبّوجي، الرحمة لروحك الطاهرة، وهنيئاً لنا بك بهذه السيرة والمسيرة المظفّرة، ومباركاً وألف مبارك لأسرة العمل الأساتذة (المخرج المبدع باسل الخطيب، وكاتب السيناريو حسن.م يوسف) والأبطال رشيد عسّاف، وإيهاب شعبان، وربيع جان، وكل الفنانين والفنيين الذين أبدعوا في هذا العمل الذي يشهد له تاريخ الدراما السوريّة بأنه العمل الوحيد – إن جاز التعبير- الذي جمع آلاف المتابعين في زمن واحد، وحرّض مشاعرهم الوطنيّة وأثار فيهم الحمية؛ لاسترجاع كل شبر من أرض فلسطين.
هذا العمل كتب التاريخَ بطريقة فنيّة، ولكن التاريخَ سيكتبه من بين الأعمال الفنيّة السورية الوطنيّة الحماسيّة التي أشعلت شرارة التصويب والزحف نحو القدس!!!.
(حارس القدس) هو ذانِك الخنجرُ والمفتاحُ المخبّآن بين طيّات التاريخ، وهو الخاتمُ المحيطُ ببنصرِ المستقبل!.
رقم العدد ١٦٠٥١