الجماهير- بيانكا ماضيّة
كان عمل (حارس القدس) الوثائقي الدرامي نقطة ضوء في إيقاظ الوجدان العربي؛ لتصحيح مسار القضيّة الفلسطينية، مركّزاً هدفه ورؤيته الفنيّة على إنسانيّة القضيّة وأثر رجال الدين المسيحي الوطني في نشر الفكر المقاوم ممثلاً بشخصيّة المطران إيلاريون كبّوجي، ولأنه كذلك فقد أثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، لعزل هذا الأثر عن مسيرته النضاليّة، في مقابل محاولات تزييف الوعي والتطبيع التي نادت به أعمال خليجيّة متصهينة هي أقل مايمكن القول عنها إنها خارج السياق الفني والإنساني والتاريخي!.
وللوقوف على أثر عمل (حارس القدس) في الرأي العام، كان للـ(الجماهير) لقاءات مع كل من الكاتب والصحفي جان داية/لبنان (من خلال معرفته الشخصيّة بالمطران)، والأديب الدكتور حسن حميد/سورية، والدكتور حسام الدين خلاصي/سورية.
المسيح هو المقاوم الأول
ويحدثنا الصحفي جان داية عن لقاءاته المتعددة مع المطران كبّوجي، متوقفاً عند علاقة المطران بعواصم بلاد الشام الثلاث (دمشق والقدس وبيروت) إضافة إلى مدينته الأم حلب، وقوة شخصيّته وردود أفعاله وخاصة ردّه على أحد الكرادلة الإيطاليين!، يقول:
“خلال متابعتي لحلقات مسلسل (حارس القدس) عبر شاشة الميادين، تذكرت مسلسل لقاءاتي بمطران القدس في المنفى.لذلك، سأجيب على سؤالك الخاص بمسلسل حارس القدس ونواحيه الوطنية والإنسانية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ودور رجال الدين المسيحيين فيها، ليس فقط من خلال ماشاهدته في كامل حلقات هذا المسلسل، ولكن عبر ما سمعته أيضاً من بطل “مسلسل” آخر، هو المطران ايلاريون كبوجي، في لقاءات روما التي جرت عام 1984 على مدى 11يوماً في ال foyer التابع لراهبات دير الصليب في لبنان، حيث كان يقيم، ولقاءاتي معه في باريس بين عامي 1986 و1987.
كانت عواصم بلاد الشام الثلاث دمشق والقدس وبيروت، عملياً، محور صلواته الدينية والسياسية: دمشق حيث المركز الرئيسي لبطريركية الروم الكاثوليك التي ينتمي إليها كرجل دين، والقدس التي دشّن رتبته كمطران في أبرشيتها، وكان احتلالها ووحشية محتلها السبب المباشر لصيرورته قائداً مقاوماً، وبيروت التي سكنت عائلته في أشرفيتها، ودمرتها الحرب الأهلية التي أحزنته.
أضيف إلى العواصم الثلاث، عاصمة العواصم حلب التي كانت محرك نوستالجيته الدائم، بدءاً بأمه أو بالأحرى معبودته، ومروراً بأصدقائه، وانتهاء بكرابيجها وكل نتاج طعامها الشهي.
ولنبدأ بالقدس التي تعلم في مدارسها طالباً، وعاد إليها مطراناً، وأصبح فيها قائداً مقاوماً.
حين أخبرني سيادته عن الشاب وأخته المقيمين في الولايات المتحدة، وقد جاءا إلى القدس بناء لوصية والديهما، ورافقهما بناء لطلبهما ليكحلا عيونهما الجميلة بمنزلهما المحتل من عائلة يهودية، وكيف هددهما المستوطن المحتل بالبوليس إذا لم يغادرا فورا، فبكيا، وبكى معهما. علق،مؤكداً أن الحادثة تلك ومثيلاتها، ساهمت في استنفاره وطنياً وجهادياً، من غير أن يتخلى عن صفته كمطران. ذلك أنه يفهم مسيحيته ثورة على الظلم”.
ويتابع حديث داية مستذكراً رجال الدين المسيحي المقاومين، يقول: “وحين روى لي كيف اعتقل وسجن وحكم وعذب وأهين،كنت أستذكر عدداً من رجال الدين المسيحيين الذين قاوموا الظلم والاحتلال، ليس فقط في أميركا الجنوبية، بل أيضاً وأولا في فلسطين، وفي طليعتهم المطران غريغوريوس حجار الذي ناهض الاستيطان، ودفع حياته ثمناً لآرائه ومواقفه. والجدير ذكره أن حجار ينتمي إلى بطريركية الروم الكاثوليك، وهو لبناني.
وبالمناسبة، إذا أضفنا إلى كبوجي الحلبي، وحجار اللبناني، وعطالله حنا المقدسي، والبابا شنودة القبطي المصري وآخرين، نتأكد من أن فلسطين هي قضية إنسانية لرجال الدين المسيحيين، وليس بالضرورة أن يكونوا فلسطينيين.
ويضيف المطران كبوجي إلى العامل الإنساني، عاملاً دينياً مسيحياً فلسطينياً إذا صح التعبير، وهو فلسطينية المسيح.
أما عن اقتداء المطران بالسيد المسيح، فيخبرنا قائلاً: “وقد سمعته يردد غير مرة عبارة (المسيح هو المقاوم الأول).وروى لي أن أحد الكرادلة أبدى استغرابه في أن يكون كبوجي مطراناً، وهو حلبي مشرقي. أضاف: رديت عليه، مذكراً “أن المسيح فلسطيني مشرقي، وإذا كان من مجال للاستغراب، فكيف تكون كاردينالاً، وأنت أوروبي طلياني”. وبالمناسبة، فالمطران المعروف بتواضعه،كان يردّ بتكبّر على كل من يشوّه الحقائق الدينية والوطنية،كما فعل الكاردينال، وكما سبقه إلى ذلك المحققون خلال اعتقاله”.
ويتابع عن (حارس القدس) بالقول: “أعود إلى مسلسل حارس القدس، لقد نجح المنتج والكاتب والمخرج والممثل، في التوفيق بين الناحيتين الفنية والوطنية، فأنصفوا قائداً كبيراً كان في عتمة التهميش. وأضاؤوا على دور المسيحيين في معركة تحرير فلسطين، وذكروا ملايين المشاهدين بأن فلسطين شأن قومي وطني إنساني، لا ديني مذهبي.
صحيح أن المسلسل لم يسلط الضوء بصورة كافية على “لبنانية” كبوجي التي برزت في المنفى، خصوصاً في محاولته الإفراج عن المناضل جورج إبراهيم عبدالله بعد أشهر من اعتقاله عام 1986، بمساعدة وزير خارجية فرنسا “رولان دومان” الذي تولى الدفاع عنه في فلسطين المحتلة. ولكنه فتح الطريق أمام إمكانية إنتاج مسلسل آخر مكمل يلقي الضوء على جهاد كبوجي في المنفى، إضافة إلى مسلسلات أخرى تضيء على رجال دين ودنيا مسيحيين آخرين، جاهدوا في سبيل فلسطين، كالمطران غريغوريوس حجار”.
شخصيّة كبّوجي غيرت الصورة النمطية لرجال الدين
فيما تناول الدكتور حسام الدين خلاصي هدف العمل بشكل عام، وشخصيّة كبوجي، إذ قال:
في هذا العمل الفني الرائع، تجلت النقاط التالية :
1. تصدّى هذا العمل لكل الدراما الخليجية وغيرها التي روّجت للتطبيع .
2. بطل هذا العمل شخصية من الواقع غيرت الصورة النمطية لرجال الدين عموما والمسيحي خصوصا وأظهر دورها الحقيقي في النضال الوطني والقومي .
3. مابين السيرة الذاتية للمطران المقاوم ومابين الوطن الممتد بين سورية وفلسطين دمج العمل بين الماضي المشرف للمطران ومعاصريه وحركة المقاومة وبين الواقع الحالي لسورية وما تعانيه.
كتاب مقاومتنا الآبدة حتى عودة الحق لأهله.
يرى الدكتور حسن حميد أن هذا العمل روح وطنية ترفع راية المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني، وينمّي ثقافة المقاومة، ويزرع الأمل في استعادة فلسطين المحتلة، يقول: “في ظل هذه الظروف الصعبة التي تحيط بنا، ومنها نشر الفوضى الخلاقة، والاعتداءات شبه اليومية، والتهديدات السياسية، والحصار الاقتصادي، والتحالف الاستراتيجي الغربي والأمريكي مع الكيان الصهيوني الغاصب للوطن الفلسطيني المحتل، وتهافت بعض العرب (وعلى غير صعيد وجهة) من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني (كي يأخذ شرعية زائفة لوجوده الاحتلالي)،وترويج ثقافة الاستخذاء والانحناء والمذلة..إلخ…في وسط هذه الأجواء يأتي عمل (حارس القدس) روحاً وطنية محتشدة بالصلادة والقوة المكينة لرفع راية المقاومة بوجه الظلموت الصهيوني الذي ما زال منذ اثنتين وسبعين سنة يقترف المجازر بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ويدمر البيوت والمدارس والمشافي، وينشر الخوف والأذيات في القرى والمدن، ويسجن الصغار والكبار، والنساء والرجال الذين يشيرون إليه بوصفه قاتلاً ومحتلاً وغاصباً..وبطولة هذا العمل لرجل دين مسيحي سوري من حلب، يعمل برتبة مطران وراعٍ في إحدى كنائس القدس، عرف الحق، والوطنية، والعدالة، والقيم الإنسانية..لذلك تبنى ثقافة المقاومة حتى غدا فدائي القدس، هذا المطران كبّوجي، ومن خلال سيرته الذاتية وأفعاله شديدة الصلة بالدين والوطنية، أدخل الأمل بقوته الساحرة إلى قلب كل مؤمن بالمقاومة، وحق الشعب باستعادة حقوقه المشروعة والأزلية، وقد كان عملاً درامياً مؤثراً، أبكى قلوبنا وأدماها؛ لأن العقيدة توحّدت بالفعل والممارسة فصار المطران كبوجي رجل الدين والفدائي في آن. (حارس القدس) ليس رداً على ثقافة الانهزام وإدارة الظهر للثوابت والمبادئ فحسب، بل هو كتاب مقاومتنا الآبدة، حتى عودة الحق المنهوب لأهله الفلسطينيين”.
رقم العدد ١٦٠٥٥