” الهائمة ” رواية للكاتبة منال يوسف .. الولادة في رواية الأقدار المستحيلة

الجماهير -عتاب ضويحي

بحبر الألم والأوجاع التائهات كتبت (منال محمد يوسف) قصص من غرقوا، ولم يجدوا فرصة للنجاة وللحياة بالرغم من أنهم يستحقونها، قصص لأبطال من الواقع حرقت جراحات الحرب ذواتهم قبل كل شيء.
في رواية حملت عنوان (الهائمة) أرادت الكاتبة يوسف أن توثق وجع وطن، وتروي حكاية كل يد بيضاء، ويد التاريخ المظلوم قطعت ظلماً وبهتاناً.
زارت روحها الهائمة كل شبر على أرض سورية يختصر نورانية الأماكن، بشخصية البطلة أماني التي أضاعت زوجها يوسف وابنها الصغير ورد، ودخلت بغيبوبة أخذتها ذاتها الهائمة فوق سفوح الأقدار وفوق تلول الياسمين، وفي مسيرة بحثها عن طفلها ورد تقابل الرجل القبيح الذي يسمى “حرب” الذي كان يقتل ويدمر. وتتابع مسيرتها الهائمة رغم غيبوبتها تزور معظم الأماكن الأثرية وتشاهد وجوهاً عديدة، وتسمع لقصص مختلفة، وفي بعض الأحيان تتخيل أن الأماكن السورية تنطق من قسوة ماحصل، وتروي لها عن الظلم الذي ألم بها.
رحلة التيه في أماكن شهدت وجع شخوصها، فتارة نراها بشخصية الأم الثكلى التي تبحث عن ابنها وزوجها المخطوف والتي تشتهي ألا تذبح أمومتها من الوريد إلى الوريد، وتارة أخرى نراها تروي وجع الحجر قبل البشر من خلال زيارتها لمدينة تدمر التي تشتاق الحياة بكل روعتها وتفاصيلها، تشم فيها رائحة العطر ودماء الأحبة ونخيلها الهارب يسأل عما تبقى من رطب، لتقابل صديقتها ناتاشا التي تبحث عن أخيها الضابط الروسي الذي استشهد في تدمر ونال وسام الاستحقاق من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً.
وتنتقل روحها الهائمة إلى حلب الشهباء حيث قلعتها الصامدة بأحجارها القديمة وحكايات عشاقها، وتحضر أمامها بكل مكوناتها ومجدها النائم أو الهارب.
وفي محاولة منها أن تغفو قليلاً تسمع صوت الكثير من الماء، ماء من الأحزان كان يتدفق كفرات تغير وجهه، وعذب كلامه، وتسأل نفسها كيف سأعبر فرات الأحزان والأيام بعد تدمير جسره المعلق؟! كيف ستمشي هكذا بلا روح؟!.
ثم تصل بعدها لمدرج بصرى في درعا حيث كان التعب حكاية تكتبها وتشرب من ظمأ قمحها وخوابي أيامه وسنينه.

وتتابع المسير فوق تلول الياسمين الذي قتل ظلماً، وتصادف فارس وأحمد الشابين اللذين بقيا على الجبهات طوال الحرب، واللذين حرما من الشوق والعشق بسبب الحرب.
وتقابل صديقتيها نتاشا وتينا على مرمى وجع من قلعة المضيق. وعلى مرمى شوق من أفاميا تقابل ذاتها المثقلة بالأحزان، وألفاً من الرجال كانوا يحملون الشمس والقمر في اليد ذاتها.
وتسمع صوت قاسيون الذي شهد على جراحات هذا الزمن، وكأن صوته صوت الزمان الذي ينادي على فصاحة ما، أو على بلاغة تشبه جرحها الأبقى.
وفي وسط تيهها تسمع صوت ورد ابنها يقول لها :تابعي البحث عني ستجديني في كل اتجاه أعبر إليك يا أمي في كل لغة ستجديني وسأزهر خاصة في لغات الذكرى.
لتنهي رحلتها بنهايات مفتوحة على كل احتمالات الحياة، وتتمنى أن نولد في “رواية الأقدار المستحيلة”.
رواية” التائهة “أول عمل روائي فيه توثيق سوري وروسي يتحدث عن امتزاج دماء الشرفاء مع دمائنا في حربنا ضد الإرهاب.
الرواية تتألف من 182 صفحة صادرة عن دار الهندسة والأدب.
الجدير بالذكر أن للكاتبة منال يوسف العديد من الدواوين الشعرية، منها: أبجدية الوجع- على طريق النور- الورود في عامها المليون- لي حكاية أخرى- أنا القصيدة والريح.
كما لها ثلاث روايات: الرجل الغريب القريب- حلم- والهائمة.
وكتبت فيلماً سينمائياً يعتمد على توثيق حقيقي وهو أول عمل روسي سوري. ولقّبت بالكاتبة المعجزة.
وحصلت على شهادة أفضل الشخصيات الإنسانية لرؤية منهجية المرأة العربية لعام 2019 مقدمة من الأكاديمية الدولية للدراسات والعلوم الإنسانية بالتعاون مع الدولية لريادة الأعمال ودعم المرأة.
رقم العدد ١٦٠٥٨

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار