ياسرجي ” للجماهير ” : على الكاتب أن تكون ثقافته بانورامية وأن يبسط المعلومة للطفل .. أحاول أن أجعل اليافع يتبنى القيم والمثل العليا ويقوّم نفسه بنفسه

الجماهير – أسماء خيرو

الطفل واليافع محور اهتمامها تصنع له بلغتها البسيطة المشاهد الراقية ذات المضمون القيمي تبحث بثقافتها البانورامية عما يؤسس قيماً إنسانية وروحية وأخلاقية في عقول الناشئة والأطفال. لها بصمتها الخاصة التي تعيد بها تشكيل الأحداث وإنتاج المعنى حتى أصبحت بنتاجها الأدبي المتنوع بوصلة لجيل المستقبل . لها مقولة تستند إليها في الحياة ألا وهي ( تعلم كل شيء عن شيء واحد، وتعلم شيء واحد عن كل شيء )..
الكاتبة يمان ياسرجي تقدم نفسها في بداية حوارنا معها لل( الجماهير) فتقول أنا مهندسة معمارية استشارية تخرجت/ عام ١٩٨٤ /من جامعة حلب، وعضو لجنة الإعلام والنشر في نقابة المهندسين فرع حلب، وعضو في أسرة تحرير مجلة الهندسة التي تصدرها النقابة، وعضو اللجنة الثقافية في جمعية العاديات، نشر لي العديد من المقالات والقصائد الشعرية في مجلة “تواصل” ، “ومجلة المهندس العربي” فزت بالمرتبة الثالثة في مسابقة للشعر في طرطوس عام / ٢٠١٦ / وشاركت في العديد من الأمسيات الأدبية على المنابر الثقافية في دمشق وحلب، ومن مؤلفاتي الأدبية للكبار (عقد الياسمين – فسيفساء في خزينة الذات – لغز المحال – كن رائع الجمال- بصمات – ثورة طائر الفينيق – قلم يكتب الحب -وغيرها) ومن مؤلفاتي للأطفال والناشئة (مسرحية المفكرون الصغار – وإيقاعات ملونة – وإليك يعود الصدى – وكانوا أطفالاً مثلكم – وحكايات للجيل القادم ) وغيرها.
وبعد أن قدمت نفسها ذهبت بأسئلتي نحو التعرف إلى العائلة التي اهتمت بالمرأة ككائن له وجود وكيان حتى أصبحت ماهي عليه الآن ؟ إذ تقول الكاتبة ياسرجي المولودة في حلب عن عائلتها، أنحدر من عائلة تحمل القيم والعادات الشرقية مكونة من أب وأم وأخوين، والدتي رحمها الله كانت تعمل مدرسة في تلك الأيام وهي تعتبر سبب ما أنا عليه الآن، لقد جعلتني أعشق الكتابة إذ كانت دائما تحثني وأخوتي على القراءة اليومية، وما أذكره عنها أنها كانت تشجعنا فكل من يحصل على علامة تامة في الامتحان كانت تكافئه بالحصول على قصة، وهكذا بدأ حبي للقراءة بالتنافس بيني وبين إخوتي إلى أن أصبحت شابة أكتب الروايات، والقصص الأدبية، والمقالات المتنوعة التي تعالج مواضيع الكبار. وبعد زواجي وتحديداً في عام/ ١٩٩٥/ اتجهت نحو الكتابة للطفل واليافع .

وبعيداً عن العائلة والسيرة الذاتية توجهت بأسئلتي نحو عالم الكتابة للطفل.
– يقولون الكتابة للطفل تعد مغامرة شيقة محفوفة بالمخاطر فهل هذا صحيح؟ وإن كانت كذلك ما الذي جعلك تكتبين للطفل وأنت تعلمين أن فيها مغامرة كبيرة وتحمل بين طياتها المصاعب؟ وهل هناك من تأثرت به ممن يكتبون للطفل؟ نعم إنها حقيقة، فالكتابة للطفل تحتوي المخاطر العديدة وأنا لاأخفيك قولاً، المصاعب هي التي شكلت لدي الحافز والدافع كي أكتب وأخاطب هذا الطفل لأني أحمل في داخلي رسالة وأرغب أن أبلغه هذه الرسالة بلغة جميلة وراقية تحمل المعاني السامية الإنسانية التي تبني الطفل وتوجهه. وماجعلني أتجه نحو الكتابة للطفل هن بناتي لقد أردت تنشئتهن تنشئة مميزة، لذلك كنت حريصة كل الحرص على مواظبتهن على حضور جميع الفعاليات والأنشطة التي تنمي عقولهن .
أما عمن تأثرت به من بين من كتب للطفل، فلايوجد كاتب معين بعينه، لقد اطلعت على جميع أساليب من كتب للطفل من أدباء، منهم من كان أسلوبه خفيفاً، ومنهم من كان أسلوبه جامداً وثقيلاً، لذلك آثرت أن يكون لي أسلوبي الخاص بمعنى بصمتي الخاصة التي تعرف كتاباتي من خلالها، وبالفعل إن قرأ أي شخص كتاباتي سيشعر بأسلوبي حاضراً بين السطور والكلمات وسيستنتج على الفور أن هذا أسلوب “يمان ياسرجي” .

*ككاتبة للكبار والأطفال والناشئة، هل تختلف الكتابة للأطفال عن الكتابة للكبار وما الذي يجعلها مختلفة؟ وما الذي يجب أن يراعيه الكاتب عند الكتابة للطفل ؟
نعم إنها تختلف كل الاختلاف ففي أدب الأطفال على الكاتب أن يحاول قدر المستطاع وبكل مافيه أن يبسط المعلومة من خلال تقريبها بالقصص، فعلى سبيل المثال، في قصة ” إليك يعود الصدى”، ذكرت شيئاً عن الصدى وضعته ضمن قصة تنتهي بمغزى وتحمل قيماً تربوية، وهذا هو الاختلاف، فالكتابة للأطفال تحمل القيم التربوية، وفيها نوع من التوجيه الخفيف إضافة للمتعة، لذلك حين أكتب للطفل أحاول أن أكتب القصة بشكل جميل وممتع وأحرص في ختامها على تقديم مغزى يتعلم منه الطفل، بينما الكتابة للكبار ليس فيها قيم تربوية، فيها تضمين ومعالجة للأفكار والقيم العليا في مواضيع وجدانية وحكايات واقعية. وفيما يخص الكتابة واختلافها باختلاف الفئة العمرية، فالاختلاف يكمن بطريقة معالجة الفكرة ففي عمر ال / ٨ / سنوات أحاول أن أجعل اللغة حوارية بسيطة، أما في عمر ال/١٦ عاما/ فأحاول أن أحرك لديهم الخيال وأرفع اللغة، وفي كلتا الحالتين أركز على وجود عنصري المتعة والتشويق في القصة، لأنه إذا لم يوجد هذان العنصران فإن الطفل أو اليافع سيهمل القراءة، لذلك على الكاتب أن يراعي اللغة المعاصرة البسيطة، ويبتعد كل البعد عن اللغة ذات المفردات الصعبة المبهمة بالإضافة لعنصري المتعة والتشويق في الأسلوب حتى يجذب الطفل ولاينفره .

*والآن حدثيني عن المواضيع التي تهتمين بمعالجتها في كتاباتك للأطفال ؟ وهل استطعت من خلال ما تعالجينه أن تحققي عامل الجذب في خضم مانراه اليوم من هيمنة أجهزة الموبايل والألعاب الإلكترونية على عقول الأطفال؟ وماهي الصعوبات التي مازالت تواجهك ككاتبة للطفل؟!
في معظم كتاباتي المواضيع التي أعالجها تحمل القيم الروحية والفكرية والأخلاقية فأنا أضع القيمة ثم أنسج حولها القصة، وإلى الآن وبكل تواضع أخبرك أني استطعت أن أحقق عامل الجذب للأطفال الذين يحبون القراءة ويملكون الاهتمام بالكتاب، صحيح أن عددهم قليل مقارنة مع من ينجذبون نحو الألعاب الإلكترونية والموبايل ولكني أشعر بالرضا عن عددهم هذا ، وليس لدي صعوبات تذكر ككاتبة لأني أمتلك أدوات الكاتب،ولكن أعاني من ضعف في التسويق والنشر، فأنا مجبرة على أن أنتظر إقامة المعارض حتى أسوق نتاجي الأدبي.
*أخبرتني أنك تختارين إحدى القيم وتنسجين حولها القصة ذات المغزى ؟ هل أوضحت لي ذلك أكثر مع ذكر بعض المقتطفات من كتاباتك التي تدعم قولك إن أمكن؟
بالتأكيد يمكنني إيضاح ذلك مخاطبة الطفل بالقيم والأفكار تجعله يكبر ويصبح أوسع أفقا وأصفى ذهناً وألمع فكراً، يغدو أكثر قدرة على فهم الأمور وحل المشكلات وهذا ما أسعى إليه في كل كتاباتي ،لذلك أضع القيمة وأنسج حولها القصة، فمثلاً قيمة الاهتمام أنا لم أذكرها له مباشرة في إحدى قصصي بل جئت بها من خلال العناية “بنبتة صغيرة ” وهو أي الطفل بشكل غير مباشر إذا قرأ القصة سيدرك ويفهم معنى الاهتمام.
والآن سأذكر لك بعض المقتطفات، هذا مقطع جاء في (سلسلة حكايات الطفل المبدع ) يعلم الطفل قيمة الوقت (لقد تعلمنا في المدرسة أن الإنسان الصالح ينفع نفسه.. أما الإنسان المصلح فهو ينفع وطنه ومجتمعه، سأل أبو ماهر والده سؤالا يحمل بين طياته معاني كثيرة، ما الذي أعاقك عن أن تفعل ماتريد ؟؟ قضت الأيام مسرعة … ضاعت من يدي دون أن أحسن تنظيم وقتي فيها) .
وهذا مقطع آخر من” حكايات للجيل القادم ” فيه قيمة الاعتماد على الذات ومما جاء فيها : حرصك الدائم ..وقوفك المبرر.. يحيطان بقدري كما يحيط السوار بالمعصم _ لكنني يا أمي – قررت أن أصنع نفسي من جديد لن أدع إعاقتي تحيلني اسماً على هامش الحياة لن أقبل أن أظل عالة على من حولي، لن يخدمني أحد بعد الآن، وعسى أن أعود إليك متدربا لأساعدك كما يفعل أخواي فؤاد وفدوى ..

* وقبل أن أختم حواري معك حدثيني عن مشاريعك المستقبلية وماهي أمنياتك على الصعيد الأدبي. وكونك امرأة هل تعتقدين أن المرأة التي تكتب للطفل أخذت حقها المناسب في الساحة الثقافية؟.
مشروعي المستقبلي هو كتاب أتوجه به لليافعين مضمونه عبارة عن مناقشة مشكلات اليافع من جميع الجوانب بشكل غير مباشر، أحاول من خلال كتابي هذا، أن اجعل اليافع يتبنى القيم والمثل العليا كي يقوّم سلوكه بنفسه أي أن أضع بين يديه المفاتيح ولكن بعيداً عن المباشرة “افعل كذا ولاتفعل هذا” لأن اليافع من المعروف عنه عدو الأمر، وما أتمناه على الصعيد الأدبي أن يكون هناك عملية أرشفة لأسماء ونتاج كل كاتب أو أديب وشاعر، وأن يقوم الإعلام بتسليط الضوء على أعمالهم وتقديمها للمجتمع سواء في الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف .. فالأدباء كالجواهر المختبئة في التراب تنتظر من يخرجها وينير بها العالم وهنا يأتي دور الإعلام الذي يمكن أن أقول عنه مقصر قليلاً بحق مثقفي حلب خاصة وسورية عامة.. وكامرأة وكاتبة للطفل للأسف لا لم آخذ حقي بعد وخاصة من جهة الإعلام الذي لم أحظ منه بالاهتمام المطلوب ككاتبة وأديبة لها الحق بأن تكون موجودة في الساحة الثقافية .

* وفي الختام ماذا تنصحين كل من يرغب أن ينهج نهجك ويكتب للطفل ؟ وماذا أضاف لك عملك في نادي القصة في جمعية معا نرتقي؟
نصيحتي لكل من يريد أن يكتب للطفل أن يقرأ الكثير من الكتب المتنوعة حتى يصبح لديه أدوات وذخيرة لغوية جيدة تجعله قادراً على تقديم الفكرة ببصمته الخاصة، فحين كتبت قصة (حكاية للجيل القادم ) الفكرة جاءتني بعد أن أنهيت دورة أدوات التفكير، وقرأت الكثير من الكتب في التربية . وبالتالي يجب أن تكون ثقافة الكاتب بانورامية شاملة لكل أنواع العلوم كي يقدم الفكرة بأسلوب جميل إضافة إلى أن التنويع يجعل الكاتب قادراً على الاستفادة من الفكرة العلمية والتاريخية والتنموية عند الكتابة بحيث تخدم الغرض المطلوب ، ولقد أضاف عملي في نادي القصة لي الكثير أهمها المرونة والديناميكية التي جعلتني أحب عملي كثيراً فيوميا أرى نتائج عملي على الأطفال اليافعين، فأنا سعيدة جداً بالنقاش معهم إذ أن التفاعل معهم يسهم في معرفة كيف يفكر هذا الطفل أو اليافع فضلا عن أنه يمكن الكاتب من معرفة كينونة الإنسان ماهو؟ نعم هذا العمل أكسبني القدرة على تحريك عقولهم وإنضاجها وهذا شيء يفرحني كثيراً ولايقدر بثمن .
رقم العدد ١٦١٢٨

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار