هل يقف المثقفُ والأديبُ موقفاً محايداً من موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

الجماهير – بيانكا ماضيّة

هل كان يعتقد المطبّعون أن تطبيعهم المفضوح على الشاكلة التي ظهرت فيها الإمارات العربية المتحدة سيثبّت لهم كراسيهم ويضمن لهم الحماية الصهيوأمريكية من شعوبهم التي لم تتوافق مع سياسة القمع والتبعية، وأخيراً التطبيع؟!
سقط القناع، رغم أن هذا القناع الذي وضعوه على وجوههم طيلة هذه العقود التي لم يقدموا فيها شيئاً للشعب الفلسطيني، حتى ولو كلاماً، لم تكن خافية وجوههم الحقيقية تحتها، تلك التي باتت اليوم بلا احترام وعرضة للإهانة والاستخفاف.
معروف أن الخليج العربي لم يكن في يوم من الأيام إلا الذراع السياسي – إن جاز التعبير- في المنطقة العربية لتحقيق الحلم الصهيوني، وما التطبيع الذي نرى آثاره اليوم إلا من ضمن المهمة الأولى التي قيضت ورسمت لهذا الذراع من أجل تنفيذه في المنطقة، ألا وهي كما يزعمون “إسرائيل الكبرى”. وهو ما عبرت عنه مذكرات (تيودور هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية حين حدد المساحة التي (يحلم ويؤسس) لها، من نهر النيل إلى نهر الفرات، والتي شملت شمالي شبه الجزيرة العربية، وهو ما دعاه في العام 1904إلى وضع المنطقة الواقعة غربي السعودية ضمن حدود الكيان الصهيوني، والتي بدت فيها خريطة (إسرائيل الكبرى) وقد شملت نافذة على الخليج العربي!!
رغم الوضوح الشديد في المخطط الصهيوني للمنطقة العربية، فإنه علينا ألا نفاجأ بعمليات التطبيع التي نشهدها في الآونة الأخيرة، ورغم هذا فإن الإدانة والشجب لهذه العمليات التطبيعية لا يمكن إلا أن تظهر من خلال مواقف الشعوب، وبالأخص مواقف المثقفين والكتّاب لأن موقف الكاتب هويته.
وإثر إعلان الإمارات العربية المتحدة تطبيعها مع الكيان الصهيوني قام الكثير من الكتاب والمثقفين والروائيين باتخاذ موقف واضح من هذا التطبيع عبر سحب البعض منهم ترشحه لجائزة البوكر للرواية والممولة من الحكومة الإماراتية (الرّوائي الفلسطيني محمد جعبيتي، والرّوائية الأردنية كفى الزعبي، الكاتب والرّوائي يحيى يخلف)، ومنهم من يعلن سحب ترشحه لجائزة الشيخ زايد (الرّوائيّان والمترجمان المغربيّان أحمد الويزي وأبو يوسف طه)، ومنهم من يعلن انسحابه من أنشطة الإمارات كلها (الكاتب المغربي عبدالرّحيم جيران) والذي قدم استقالته أيضاً من تحرير مجلّة (الموروث الثقافي) التّابعة لمعهد الشّارقة. ومنهم من أوقف تعاونه مع المؤسسات الإماراتية (النّاقد والمترجم السوري ناصر ونّوس)، ومنهم من يعلن سحب كتبه من الإمارات (الكاتب والباحث الكويتي عبد الله سلّوم).
فهل يكفي إعلان هذه المواقف ليكون للمثقف العربي صوت عالٍ تجاه هذا التطبيع، وهو صوت الواجب الأخلاقيّ يحتمه الضّمير على كل مثقّف وكاتب عربي؟! الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أصدر كتّاب ومثقفون بياناً بعنوان (كتَّاب ومثقَّفون ضد التَّطبيع فلسطين عنوان كرامة الأُمَّة). صاغه كل من الروائيين والكتاب رشاد أبو شاور، كفى الزعبي، يوسف ضمرة، أحمد أبو سليم، عبد السلام صالح، محمد لافي، صلاح أبو لاوي، والناشط السياسي وائل النابلسي، ووقع عليه عشرات المثقفين والكتاب والصحفيين، وقد عبروا من خلاله عن إدانتهم ورفضهم لكل اتفاقيات السلام المشينة مع العدو الصهيوني، القديمة منها والمستجدة، ورفضهم كل أشكال التطبيع معه.
مشيرين فيه إلى “أنّ هذا الإعلان من قبل دولة الإمارات، يأتي في سياق دور تخريبيٍّ طالما لعبته في المشهد السياسي العربي، لم يخدم ولا يخدم سوى المصالح الصُّهيونيّة في المنطقة، عبر العمل على تحطيم وإضعاف عواصم عربيَّة ذات إرث ثقافيّ عريق، وإغراقها في الحروب والأزمات والصراعات والبؤس، وبالتالي منعها من لعب الدور الذي لعبته تاريخيا. وقد أسس ذلك لاستيلاء الإمارات، بالإضافة إلى بعض الدول الخليجية الأخرى، على المشهد الثقافي العربيّ أيضا، عبر المال السخي المتمثّل بفرص العمل، ومراكز الدراسات والجوائز والفعاليّات الثقافيّة المختلفة التي استقطبت شريحة واسعة من الكتّاب والمثقّفين العرب، وحولتهم إلى مرتزقة يدافعون عنها، وفي أحسن الأحوال عملت على تحييدهم عن الانشغال بقضايا أمتهم”.مؤكدين “أن الغاية من كل ذلك، هو حرف المنتج الثقافي العربي إلى مسار تطبيعيٍّ، وهو ومن جانب آخر، محاولة لتتفيه وتسخيف مفاهيم جوهرية تمس الإنسان العربيّ في الصميم وتمس استقلال دوله، كالهويّة، والمقاومة، والتحرير والتحرر، والعيش بكرامة. مما سيؤدي إلى بناء إنسانٍ عربيّ بائس ومهزوز ومهزوم، وبلا ذاكرة”.
ومن خلال ماتقدم فإنهم أعلنوا ضمن بيانهم البنود الآتية:
– لا انفصال بين القضيَّة الفلسطينيَّة المركزيَّة، وما تعانيه الدُّول العربيَّة من حروب وأَزمات ثقافيَّة، وسياسيَّة، واقتصاديَّة، فالعدوُّ واحد، يتغلغل في الوطن العربيِّ للقتل، والدَّمار وتفتيت المفتَّت، وإغراق المنطقة بالدِّماء، وقتل تنميتها وإمكانيَّة تطوُّرها، ونهضتها.
– مقاطعة جميع النَّشاطات الثَّقافيَّة
، والجوائز التي تقيمها حكومة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، سواء على أَرضها، أَو في الخارج، ومقاطعة نشاطات أَيَّة حكومة عربيَّة تطبِّع مع الكيان الصُّهيوني.
– توحيد جهود المثقَّفين العرب الرَّافضين للتَّطبيع، وبلورة ذلك من خلال أُطر فاعلة تقوم بالتَّنسيق فيما بينها بمواجهة التَّطبيع على الصُّعد كافَّة.
وقد دعا أصحاب ذاك البيان من الكتاب والمثقَّفين العرب، والأُدباء، والشُّعراء الرَّافضين للتَّطبيع مع العدوِّ الصُّهيونيِّ إلى التَّوقيع على البيان ليكون نقطة انطلاق من أَجل توحيد الجهود اللَّائقة بالمثقَّفين العرب.
إذاً لا يمكن للمثقف والكاتب العربي أن يقف موقفاً محايداً من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن السكوت عنها اتفاق مضمر معها. ولهذا كان لابد من إظهار الجانب الأخلاقي من موضوع التطبيع وإعلاء صوت الضمير تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، والتطبيع بشكل خاص.
رقم العدد ١٦١٤٣

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار