الجماهير – أسماء خيرو
في صمت الليل المطبق ومن خلف نافذة الموبايل أصغت إلى سعلته الأولى، راقبته يمسح بالمنديل كفيه ويكتم الضحكة في شفتيه ، راقبته في جوف الليل يلحظها ويرمي بالسهد طيور القلب دون أن يسمع منها حرفا أو يوقظ صمت قلبها الذي غفا ..
في صمت الليل المطبق كان في كل يوم يقرأ حديثها الصامت عن حلم هارب خرج ولم يعد، وعن جراح لا دواء لها ،وعن أعوام تسعة انقضت من الحرب الطاحنة أحالت كل من سلم من لعنتها إلى وكالة أنباء متنقلة، فالكل أصبح يثرثر لا أكثر.
كانت الأوقات تمضي ساعة إثر ساعة وكان يبدو مثقلاً من جلوسها الصامت ومن وجهها الهادئ، وهمس حروفها الخافت ، وكان يحاول أن يبعثر الحرف الأنيق والحديث الشجي ،دون شكوى ، ولا حتى ملل علها تنتبه، ولكن لا نداء يرجى، فيعود إلى عالمه الباحث فيه عن معنى، ولكنه مع ذلك لم ييأس، يعود ليرقبها كلص من زوايا العينين يحمل لها من آخر الدنيا عبير وطنه الغائم ، ويطل بأغنية الشوق والحنين ،ويسكب في القناديل المطفأة قطرات من الزيت، ويرسم لشتائها البارد الدفء ، ويصرخ في وجه البعد ، ويتحدى جلاد الصمت ،وسياط الوحدة، كي يؤنس ليلها ونجومه الشاحبة، فلقد أعياها عبء الحرب وانثالت روحها كشلال عذب في وطنها المتعب. وذات مساء وعلى غير العادة تحدثت حروفها بشوق جارف وركضا خلف الحلم الهارب.
رقم العدد 16169