الوفاء بالوفاء والذكرى التاسعة لرحيل عميد الأدب السوري مدحت عكّاش

الجماهير / بيانكا ماضيّة

كنت أبحث عن صحيفة قديمة في أرشيفي، فإذا بعدد من أعداد صحيفة الثقافة الأسبوعية، يعود إلى العام 1996 لصاحبها مدحت عكّاش، أعادتني هذه الصحيفة إلى بدايات انطلاقتي في النشر في الصحف والمجلات، كنت حينها أحبو في عالم النشر الذي ما إن يطأه الكاتب حتى يصبح عالمه الخاص به، يغتبط حين يرى اسمه منشوراً هنا وهناك.
أولى كتاباتي كانت مقالات ودراسات أدبية، وأخرى قراءات في مجموعات قصصية وشعرية وروايات صادرة حديثاً، وبعض القصائد النثرية، وأذكر أن الأديب الراحل مدحت عكّاش حين أرسلت له إحدى قصائدي إضافة إلى دراسة أدبية في إحدى المجموعات القصصية، وكان التواصل آنذاك عبر البريد العادي، رحّب كثيراً بما أكتب، وقد دعاني إلى الكتابة بشكل دائم في “الثقافة الأسبوعية” وأذكر أني نشرت بعض القصائد والدراسات فيها، ثم دخلت في مجال الإعلام وكانت صحيفة “الجماهير” بحلب من الصحف التي كانت انطلاقتي الأدبية والوظيفية فيها.
اليوم، ويا للمصادفة، ذكرى رحيل هذا الأديب السوري، الذي أطلق عليه القائد الراحل حافظ الأسد لقب عميد الأدب السوري والثقافة السورية، ففي 19/ 10/ 2011 رحل الأديب عكّاش عن عمر يناهز 88 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، فاليوم تمر الذكرى التاسعة لرحيله، رحمه الله، لذا لابد لنا من الوقوف عند هذه القامة الثقافية التي كان لها إسهام لايستهان به في مسيرة الحياة الأدبية السورية وفاءً منا لهذه القامة وتقديراً لعطاءاتها اللامحدودة.
“الثقافة الأسبوعية” وغيرها..
كانت صحيفة “الثقافة الأسبوعية” محط أنظار الكثير من الكتاب والشعراء، إذ كانت المحطة الأولى لهم في بدايات تجاربهم الأدبية السورية، استطاع الأديب والكاتب مدحت عكاش أن يستقطب لصحيفته هذه، إضافة إلى (مجلة الثقافة) الشهرية، والملاحق الثقافية، الكثير من الكتاب والشعراء والباحثين، إذ كان لهذه الدوريات الثقافية دور مهم في الحياة الثقافية في سورية وغيرها من البلدان العربية، وكانت تجمع بالأديب عكاش روابط الصداقة والمودة مع الكثير من كتّاب ذلك الزمن، أي في الخمسينيات والستينيات، حين كانت النهضة القومية والأدبية في سورية قد بدأت تطل وتبرز في كتابات الكثيرين، ففي عام 1958 تم تأسيس الصحيفة والمجلة، واستمرتا حتى وفاة الأديب عكاش.. من أولئك الشعراء والكتّاب الذين جمعتهم بالأديب روابط الصداقة والمحبة: عمر أبو ريشة ونزار قباني الذي نشر قصائده الأولى على صفحاتها، والشاعر بدوي الجبل، ونديم محمد ومحمد البزم ومحمد الحريري، وغادة السمان..وغيرهم.

وتخبرنا المقالات التي تناولت عكاش بالحديث عن أرشيف مجلة (الثقافة) أن هذا الأرشيف الذي كان يجمع بين طياته معظم أدباء سورية والوطن العربي، ويتضمن أكثر من خمسين مجلداً ضخماً، أشرف عكاش على إعدادها وترتيبها وتصنيفها في مكتبته، وهي بذلك تعد وثيقة مهمة من وثائق الأدب العربي المعاصر، تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل نهضة سورية الثقافية والأدبية.
كما تخبرنا تلك المقالات المنشورة عنه، أنه منذ عام 1945 لم يترك مدحت عكاش دمشق، بعد أن جاء للتدريس فيها من مدينته حماة، ليعمل أستاذاً في المعهد العربي الإسلامي، ويؤسس مجلته الثقافة عام 1958، وذلك بعد حصوله على ترخيص مزدوج لإقامتها، من قبل رئيس الوحدة بين مصر وسورية، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والزعيم الراحل شكري القوتلي.
وتقديراً لدوره وجهوده في هذه النهضة السورية، وفي خدمة الثقافة والأدب، فقد كرّمته وزارة الثقافة السورية عام 2007 لما له من دور بارز ومهم في الحياة الثقافية السورية، والتي كانت مجلة الثقافة آخر رموزها الثقافية والمعرفيّة ولوحتها الفسيفسائيّة في عالم الأدب.
حريّ بنا في هذه الأيام أن نترحم على أولئك الكتّاب والأدباء الذين أسهموا في مسيرة الأدب والثقافة السوريين وأن نضع ولو وردة على قبورهم، وفاء منا وإخلاصاً لما قدموه لهذا الوطن الذي يفتخر بأنه أنجب هذه القامات الثقافية المبدعة.
رقم العدد ١٦١٩٩

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار