حكاية الفأرة “سكّر”

 

قصة محمد أبو معتوق

يبدو أن الفأرة التي لم يكن لها اسم ..حصلت على اسمها بعد أن قلبت في الليل كأساً من الشاي البارد ..عندما كانت في زيارة ودية لأحد المطابخ ..ولحست بقايا سائل الشاي الذهبي الذي سال من الكأس. وقرطت من قعر الكأس بعض حبات السكر التي نسيت أن تذوب . عند ذلك شعرت الفأرة أنها تطير من السعادة وبأن العالم الذي تتوفر فيه مثل هذه السوائل وهذه الحبات الصغيرة البراقة عالم جميل
وحين وصلت البيت ..سألت أمها عن الطعم الحلو في الكأس .
فقالت لها الأم :إنه السكر ..
فقالت الفأرة التي لم يكن لها اسم :أريد أن يكون اسمي سكّر ..وأتمنى أن يحبسني زعيم الفئران في مطبخ مملوء بالسكر، لأظل آكل وآكل حتى أموت من السعادة
فقالت الأم ضاحكة: لاتوجد مطابخ مملوءة بالسكر عند زعيم الفئران ..ولو كانت عنده لحبس نفسه وأكل السكر كله بمفرده .
فحزنت الفأرة سكّر بسبب قسوة الحياة وعدم توفر السكر في كل مكان ..مثلما تتوفر القطط والفئران.
خلال مشوار حياة الفأرة سكر ..اقترب منها فأر شاب ..وقال لها بخجل : أيتها الفأرة سكر ..أنا معجب بك من زمان .وقد أحببتك أكثر من محبتي لقطعة جبن لها رائحة قوية حادة.. ..وأفكر أن أطلب يدك للزواج ..إن أحضرت لي قطعة جبن رائحتها قوية..ولايهم إن كان لون قطعة الجبن أبيض أو أصفر أو كانت سوداء ويميل طعمها للحموضة والفساد ..
فقالت الفأرة سكر بكلام فيه دموع : ومن الذي سيحضر من أجلي السكر إن أنا أحضرت لك الجبن..الجبن الذي يحبه زعيم الفئران أكثر من محبته لشاربيه الطويلين ولحية زوجته القصيرة ..
فقال لها الفأر الشاب :وهل تحبين السكر كثيراً ؟
فقالت الفأرة سكر :أحبه كثيراً وقد أفكر أن أحبك ..إن أحضرت لي كمية كبيرة منه .
فقال لها الفأر العاشق : سأحضر لك السكر ..حتى ولو وجدته بين أنياب قط شرير .
ففرحت الفأرة سكر من هذا الكلام الذي يدل على حب كبير . وقالت له : أما أنا فسأحاول أن أحضر لك الجبن الفاسد حتى ولو اضطررت للمغامرة والذهاب إلى مكان خطر يحرسه قطان كبيران.
وعلى ذلك اتفقا ..وانطلقا كل منهما للبحث عن الطعام الذي يسعد الآخر ..
الفأرة سكر وجدت قطعة جبن سقطت منذ مدة من لفافة تلميذ ذاهب للمدرسة ..فأكلتها سريعاً..وبعد أن انتهت من بلعها ..تذكرت الفأر الشاب وشعرت بحزن كبير لأنها لم تحتفظ له بقطعة الجبن.
ثم قالت في نفسها : كنت جائعة جداً ..والجائع لا يستطيع التفكير بأحد ..لذلك سأعتذر من الفار الشاب ..وإن كان يحبني بصدق ..فسيغفر لي ..ولا يتركني ويذهب لفأرة أخرى غيري..حتى ولو ملأت له الفأرة الأخرى بيته بالجبن الفاسد اللذيذ.
أما الفأر الشاب ..فقد مضى إلى مستودع للمواد الغذائية الكثيرة يعرفه ..وعندما .. وصل بحث طويلاً عن المدخل السري للمستودع وحين وجده دخل ..وبحث عن كيس السكر ..حتى وجده..وقام بقاطعتي أسنانه الأمامية الحادة بإحداث ثقب في الكيس ..والتهم السكر منه حتى شبع ..وبعد ذلك ..فكر بطريقة يستطيع بها أن يأخذ للفأرة سكر التي يحبها كمية كبيرة من السكر؛ لتصبح سعيدة وتوافق على الزواج منه ..ولكنه لم يجد طريقة عملية لذلك ..
فكر أن يملأ فمه بكمية من السكر ويذهب به للفأرة التي يحب..ولكنه خاف أن يتغلب عليه الجوع، فيأكل السكر الذي يتراقص في فمه ويذوب وهو في الطريق إليها فكر ثانية أن يحضر ملعقة ويملأها بالسكر ويجر الملعقة من يدها الطويلة ..كما يفعل الحمار مع العربة ويأخذ السكر للفأرة سكر ..ولكنه خاف أن يوقظ صوت احتكاك الملعقة بالأرض القط النائم على باب المستودع .
فكر القط العاشق ..طويلاً وعميقاً بطريقة لإيصال السكر لصديقته سكر ..وأخيراً وجد الطريقة..فقام بدهن جسده كله بلعابه اللزج ..ودس جسده في كيس السكر ..وعندما خرج من الكيس ..تأمل نفسه وجسده وقد تحول إلى فأر أبيض براق بسبب التصاق حبوب السكر على جسده ..ففرح بلونه الأبيض الجديد .. ثم خرج متسللاً من باب المستودع ..دون أن ينتبه لخروج القط الذي يحرس الباب بسبب اختلاف لونه عن ألوان الفئران التي يحبها القط وينتظر مرورها بفارغ الصبر.
أما الفأر المدهون بالسكر فقد مضى بهدوء حتى لاتسقط حبات السكر الملتصقة بشعر جسده الطويل والغزير ..وكان متباهياً بلونه الجديد الذي ستعجب به صديقته الفأرة سكر ..وفي الطريق
التقى بفأرة شابة تتقافز بمرح أسفل أحد الجدران ..فانتبهت لغرابة لون هذا الفأر واقتربت منه..وسألته عن أسباب لونه الأبيض البراق.
فقال لها الفأر : هذا ليس لوني ؟..إنه لون السكر الذي سأطعمه لحبيبتي ..
فأحست الفأرة الجديدة بالغيرة والطمع ..وقالت للفأر بخجل : هل تسمح لي أن أذوق لحسة من السكر .
فقال لها الفأر الشاب : تفضلي والحسي .
فلحست الفأرة الغريبة لحسة قوية ..وتذوقتها بعمق وقالت: إنه سكر من النوع الممتاز ..وليتني أعرف فأراً مخلصاً مثلك ..
يغامر بدهن جسده بالسكر من أجلي ويأتي باحثاً عني ليطعمني إياه، ثم سالت على وجه الفأرة الغريبة دمعة ..فرقّ لها قلب الفأر الشاب بسبب جمالها ..وقال لها الحسي لحسة ثانية ..
فلحست لحسة ثانية ولكنها لحسة عميقة ومؤثرة.
شعر الفأر بعدها بالدغدغة .فضحك بقوة .
فانتبهت لصوت ضحكته فأرات عابرات في الجوار واقتربن منه وعندما شاهدن لونه المائل للبياض ..سألنه عن السر ..فقالت الفأرة الغريبة هذا اللون بسبب السكر ..
فسألتها فأرة مشاغبة: وكيف عرفتِ؟!
فقالت الفأرة الغريبة : لأنه سمح لي أن أتذوقه ..ووجدت أنه سكر من النوع الجيد.
عندما سمعت الفأرات هذا الكلام الذي يسيل من أجله لعاب الرمال ..هجمن دون سابق إنذار على جسد الفأر الشاب وبدأن بلحسه دون رحمة ودون توقف، والفأر يشعر بالدغدغة ويضحك..ولا يبدي مقاومة تذكر للدفاع عن حبه للفأرة سكر، وبعد مدة من اللحس العنيف المتواصل الذي لم يبق على جسد الفأر المرتبك حبة سكر واحدة ..توقفت الفأرات الكثيرات عن اللعق ومضين شاكرات وضاحكات ..
أما الفأر الشاب ..فقد شعر بالخجل الشديد لأنه لم يف بوعده لصديقته سكر ..وقرر أن لايذهب للقائها ..وأن ينام وحيدا على سطح بناء مرتفع ..ليتأمل القمر ..ويكتب قصيدة شعر طويلة وحزينة ..يعتذر في نصفها الحزين من الفأرة سكّر ..وفي نصف القصيدة الثاني الفَرِح سيتحدث عن حلاوة السكر وروعة طعمه وصعوبة الوصول إليه ..
وبينما كان الفأر في حالة تفكير وتقديم وتأخير ..التقى فجأة بقطٍ..شرس ..فقفز هارباً قفزات رهيبات ..دفعت السكرات المختبئة في المناطق العميقة من جسمه أن تتساقط وتهرب مثله..كانت قفزات الفأر عالية وطويلة بحيث نسي الفأر لون القمر وطعم السكر ..ولكنه لم ينس أبداً وجه حبيبته الجميلة الفأرة سكر ..وظلت المطاردة الصعبة قائمة بين القط والفأر حتى وصلا إلى مفترق طرق صعب حيث توجد شارة مرور ..وقد استطاع الفأر الشاب أن يعبر في اللحظة الأخيرة قبل نهاية الشارة الخضراء..أما القط القاسي ..فلم يتمكن من العبور بسبب التماع الشارة الحمراء في وجهه..فلقد كان القط رغم أنيابه ملتزماً بأضواء شارات المرور ..مهما كانت المطاردات التي يقوم بها قوية ومغذية .
في الطريق التقى الفأر الشاب بالفأرة سكر..وحكى كل واحد منهما للآخر عن مغامرته..وكيف فشلا في إحضار الجبن والسكر..فضحكا معاً ضحكات مدوية..لم ينتبه القط العابر إلى جوارهما إلى ضحكاتهما ولم يحاول أن يفسد لحظة فرحهما…لأنه كان من القطط التي تنتبه كثيرا لشارات المرور وأنظمة السير التي يحترمها .
وهكذا انتهت مغامرة الفأرة سكر ..والى اللقاء مع المغامرة الثانية.
رقم العدد ١٦٢٠٥

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار