الجماهير – عتاب ضويحي
من لا يشعر بالغلاء ويشكوه هذه الأيام الصعبة، يجثم ثقيلاً على الصدور والجيوب، وكأنه شبحاً يلازم المواطن بصفة مستمرة، وبات هماً يحسب له ألف حساب من جملة الهموم اليومية المؤرقة للمواطن الذي يكد ويكدح للحصول على أدنى متطلبات المعيشة الضرورية لحياته.
طال الغلاء كل صغيرة وكبيرة، ولم تسلم الأكلات الشعبية (الفلافل، الفول، الحمص، العجة)، والتي تمتاز بطيب مذاقها ورخص ثمنها، وكانت الملجأ للكثيرين وأهم الحلول السريعة والمتاحة ، من موجة الغلاء الجنونية، ووقعت هي الأخرى في فخ ارتفاع الأسعار.
في جولة “للجماهير” على عدد من محلات بيع الأكلات الشعبية المشهورة في حلب توقفنا عند منعكسات الغلاء على القدرة الشرائية وضعف الإقبال على غالبيتها، والبداية عند مطعم شواء شعبي يتضمن بيع “المعلاق، كباب، شيش، كلاوي، قلب، سودا” ، عندما بدأ صاحبه مصطفى نجار الشوا الذي يعمل في مهنته منذ 35 عاماً، بالحديث ظهرت على ملامحه علامات الاستفهام، لأن الإقبال الشعبي خف بنسبة 50 بالمئة، حسب قوله لاسيما من شريحة الموظفين والعمال، واقتصر الزبون على الفئة الأفضل حالاً والميسورة مادياً،والسبب ارتفاع الأسعار، الذي يبدأ من الملح حتى ورق لف السندويشة، فسعر الملح ارتفع من 10 ليرات إلى 200، الورق من 500 إلى 2500،الأكياس من 900 حتى 3600،الفحم من 500 إلى 1500،لتر الزيت من 600 إلى 4800،الكمون من 1500 إلى 9000، الكاري من 4000 إلى 12 الف، ربطة الخبز السياحي بين 1000و 1200، كيلو السودا يصل ل 14 الف، والخضروات المرافقة للوجبة ارتفع سعرها أيضا البندورة ب 1500 للكيلو الواحد، والفليفلة تصل ل 1300 والليمون 1000، ناهيك عن أجرة العامل، فأقل أجرة على أقل تقدير تصل ل 15 ألف في اليوم، ولهذا السبب ترك أكثر من عامل العمل لعدم إمكانية دفع أجرته اليومية، لكن ليس في اليد حيلة يجب أن نتماشى مع الوضع الراهن، يجب الاستمرار في العمل، ونراعي ظرف الطبقة الفقيرة، حتى وإن كان على حساب الربح الصافي الذي وصل للنصف، مثلاً نبيع سندويشة السودا وزن 100 غرام ب 1800 فقط،الشيش ب 1200، لأننا لو حسبنا الكلفة على الأسعار الحقيقية لوصل سعرها حتى 3000ليرة،وختم بقوله للأسف لم تعد هذه الأكلات شعبية.
– الفلافل يعز على عشاقه
يعتبر الفلافل من أكثر الأكلات الشعبية إقبالاً، ربما كان عند الغالبية تقليد يومي للوجبات الثلاث، لكنه ومع موجة الغلاء التي تشهدها البلاد، أصبح يتطلب ميزانية كبيرة، ولم يعد بالإمكان توفيرها للكثيرين، وحسب ما قال “للجماهير” محمد الدهبي صاحب مطعم فلافل، إن الأكلات الشعبية الحلبية إلى زوال، والسبب إرتفاع الأسعار، وبالنسبة له عدم توفر مادة الغاز وغلاء سعر صفيحة الزيت التي وصلت حتى 75 ألف إضافة لارتفاع أجور اليد العاملة أكبر مؤرق له وللكثيرين من نفس مهنته، وليتماشى مع الوضع اضطر لزيادة أصناف جديدة في مطعمه كالمقالي والكبة الصاجية، حتى يرضي جميع الأذواق والأوضاع المادية، وكما قال فإنه لايستطيع أن يبيع سندويشة الفلافل أكثر من 800 وهو سعر التكلفة، لأنها حينها سيضطر لإغلاق محله، إلى جانب امتناع غالبية مطاعم بيع الفلافل عن بيعه كأقراص إذ وصل سعر القرص ل 50 ليرة وهذا لايناسب كل من البائع والشاري، ومع ذلك بات الإقبال ضعيف لأن الأسعار لم تعد تناسب الغالبية العظمى.
– الفول يحلق عالياً
الفول يزاحم الفلافل في كونه أكلة شعبية بامتياز، وتتعدد طعماته ونكهاته، ربما مع الغلاء لم يعد شعبي بل أصبح نخبوياً، فكما قال أبو عبدو صاحب مطعم لبيع الفول إن هذه المهنة لم تعد تجلب همها، أقل وجبة فول لشخص واحد ب 1200 مع “سيرفيسه” المتضمن البندورة، ومن دونها 1000،أما إذا أردت طبق فول مدعوم بالطحينة يجب أن تدفع زيادة 500 ليرة، أما إذا كان لعائلة كبيرة فالأمر مكلف جداً وبات من الصعب التفكير بأن يكون طبق الفول بديلاً عن وجبة الغداء.
أضف إلى ذلك الحمص الذي ارتفعت أسعاره أيضاً وأقل كمية من الحمص المطحون تصل ل 1000 ليرة ولا تكاد تكفي وجبة إفطار.
– العجة تلحق رفاقها
العجة أشهر الأطباق الشعبية، والمحببة لدى الكثيرين، باتت حلماً للفقراء الذين أجبرتهم موجة غلاء الأسعار وداع غذائهم المفضل، من مطعم أبو يوسف ملك العجة بحلب توقفنا عند منغصات هذه الأكلة الشعبية، فحسب ما أوضح أبو يوسف والذي قضى أغلب عمره بائعاً لهذه الوجبة، أن الإقبال بات ضعيفاً جداً، كان في وقت سابق يشهد ازدحاماً كبيراً، لكن اليوم غاب نصف زبائنه، فسعر البيضة وصل ل 200 ليرة وكيلو البصل 1000 ليرة وصفيحة الزيت وصلت 75 ألف ليرة، ورغيف الخبز السياحي 100 ليرة والبقدونس 150 ليرة، و سعر سندويشة العجة مع السلطة 1000 ليرة، ورغم الواقع الحالي إلا إنه متفائل ولايخشى على مهنته من الزوال، لكن الأمر يحتاج لشيئ من الصبر.
– الأكلات الشعبية الحاضر الغائب
كان لابد من معرفة رأي الشارع، نسمع من هنا وهناك كلمات وجمل بضحكات وآهات عن غياب أكثر الأكلات حضوراً عن موائد الغالبية العظمى من الشعب، عفاف التنحي ربة منزل قالت الله يعين الفقير الحياة باتت صعبة جداً، وفاطمة رأت أن الأكلات الشعبية أصبحت حملاً ثقيلاً على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، في حين هبة موظفة ألغتها من القائمة، ومنير حسون قال أصبحت حلماً، وعبد العزيز طالب قال أن الأكلات الشعبية كانت تناسبنا كطلاب أما الآن فالأمر خرج عن نطاق قدرتنا.
خلاصة القول:
في كل موجة غلاء وارتفاع للأسعار، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف والخاسر الأكبر، فبعد أن كانت أكلاته الشعبية ملجأه المغيث من عضة الجوع، أصبحت هماً جديداً يضاف لقائمة همومه.
رقم العدد ١٦٢٥٥