الجماهير -عتاب ضويحي
جمال لغتنا العربية أشبه بآلة عود أينما نقرت على أوتارها رنت لديك جميع الأوتار وخفقت النفس، وتحرك في الأعماق من وراء حدود المعنى المباشر موكب من العواطف والصور.
وكيف لا وهي لغة فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها ومرونتها التي لاتبارى، ويضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات.
لغة لم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة، لغة محببة عجيبة تمثل كلماتها خطرات النفس وتتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب.
التمسك بها أشبه بالتمسك بالحياة لأنها البحر الذي لاتنتهي صدفه، فأينما أبحرت وجدت مايسرك.
نذكر هنا أمثلة هي غيض من فيض روائع لغتنا العربية، فمن أغرب وأصعب الأبيات ماقاله المتنبي :
ألمٌ ألمَّ ألَمْ ألِمَّ بدائه
إن آنَّ آنُ آنَ آنُ شفائه.
ومن جمال اللغة العربية في الغزل
يا مُسكّني وسكني وسكينتي وساكنتي وسكوني وسكوتي
وسِكَّتي وسَكْرتي وسُكّرتي وسرّي وسريرتي وسروري.
أيضاً من روائع اللغة العربية عدم تحريك اللسان عند قراءة هذا البيت الشعري
آب همي وهم بي أحبابي.. همهم مابهم وهي مابي.
وعدم تحريك الشفاه كمافي البيت:
قطعنا على قطع القطا قطع ليلة
سراعاً على الخيل العناق اللاحقِ.
أما بعدم اتصال الحروف فمثاله :
زُر دار ودًّ إن أردت ورودا
زادوك وداً أن رأوك ودودا.
كما هناك قدرة على قراءة الأبيات من اليمين واليسار ولكل منها معنى مختلف
كما في :
حلموا فما ساءت لهم شيم
سمحوا فما شحّت لهم مننُ
سلموا فلا زالت لهم قدم
رشدوا فلا ضلت لهم سننُ
فإذا ما قرأناه من اليمين كان مدحاً ومن اليسار ذماً.
ومن أمثلة التلاعب بالمفردات
ضربتُ الباب حتى كلَّ متني
وحين كلَّ متني كلمتني
فقالت يا إسماعيل صبراً
فقلت أيا “أسما “عيل صبري.
ومثاله أيضاً :
خير الناس من كف فكه وفك كفه
وشر الناس من فك فكه وكف كفه
فكم من فكة كف كفت فكوكهم
وكم من كفة فك فكت كفوفهم
فكفوا فكوككم وفكوا كفوفكم.
أما كلمة انُلزمُكموها فتحتاج لسبع كلمات إنجليزية لترجمتها
“shall we compel you to accept
it”
في حين نجد من عجائب اللغة العربية كلمات لها معنى وهي من حرف واحد:
قِ فعل أمر من وقى، تِ من أتى، شِ من وشى وشاية، لِ من ولي بمعنى تبع وأتبع،
وفي طرائف اللغة العربية قال :
النساء هن الدواهي والدوا هنَّ
لاطيب للعيش بلاهُنّ والبلا هن
لترد عليه بقولها :
والرجال هم المرهم والمُر هُم
لاطيب للعيش بلاهم والبلا هم.
القائمة تطول ولا مجال لذكر مايفي لغتنا العربية حقها، فهي من أغنى لغات العالم بمفرداتها والتي تجاوزت 12 مليون كلمة،وليس هناك لغة في العالم تجاريها.
فلغتنا العربية إعجاز في نطقها وإعجاز في رسم حروفها.
وأصاب أحمد شوقي حين قال :
إن الذي ملأ اللغات محاسناً
جعل الجمال وسرّه في الضاد.
رقم العدد ١٦٢٦١