إعلان

الجماهير / نبوغ أسعد

إلى كل الأصدقاء والصديقات في عالمي الافتراضي والواقعي، أنا صديقتكم منذ سنوات عديدة وتعرفونني من خلال هذا الجهاز العجيب وعالمه الغريب، ربما يكون وهما وربما يكون حقيقة، وربما يكون من صنع خيال إنسان عبقري أراد به أن يقرب كل شرائح العالم وأديانها؛ ليزرع بينهم حب التآلف والتسامح وحث روح الإنسانية بداخلهم، وربما يكون شخصا حاقدا يتملكه شعور النرجسية والملوكية ويريد لهذا العالم أن يفنى ويبقى هو سيد هذا الكون يتفرج على جنس البشر وهم يتصارعون كالثيران الهائجة، ولا يعرفون لماذا يتصارعون، المهم أن يبقوا بعيدين عن أهداف كانوا يسعون إليها ثم تركوها أمام هذه الشاشة الزرقاء ليصبحوا صماً، بكماً عمياً لا يفقهون .
لن أطيل عليكم فإعلاني لا يحتاج شرحاً ولا تفصيلا، عاركتني الحياة بكل ما أوتيت من قوة وجبروت وعنفوان ولاكتني بين أنيابها بكل برودة أعصاب، تتلذذ بطعم عذابي وقهري وموتي المؤجل، ليحلو لها لحظات ابتلاعي في معدتها المتخمة بالفقراء والمساكين والطيبين والتعساء والحزانى والصابرين، وكنت قوية بقدر التحدي لها، صارعتها بكبريائي وشموخي وعزة نفسي وإرادتي التي لا تقهر، ولم تستطع أن تهزمني إلى أن كبروا فراخي، فقدمت لهم عمري وشبابي وجسدي ،أفنوه تحت أقدامهم دون مراعاة لشعوري المكسور بفعل جبروتهم وقسوتهم .كانوا أقسى من حجر الصوان وأعنف من عواصف العالم وجبروت البحر لحظة غضبه، وأشد لهيبا من ثورة بركان قد ضاقت به أحشائه فلفظ ما بجوفه ليحرق الأخضر واليابس ويتلذذ بخنق الياسمين الأبيض؛ ليفني أريجه الذي ماراق له ،ثم يستريح ويأخذ نفسا عميقا على أرض صحراء قاحلة متشققة سوداء لا تجد فيها “لا هابوب ولا دابوب” حتى الغربان السود التي تحلق في كبد السماء تخشى الاقتراب منها .هكذا فعل بي أولادي ورموني بعد أن فصصوا عظامي كذئب شرس جاع لأشهر عديدة ثم انقض على فريسته التي لم يبق منها إلا العظام المطحونة تحت قوة أنيابه .
عشت الحياة بطولها وعرضها وتعلمت منها أكثر ما تعلمت في المدارس فكانت المعلم المتجبر،لا يمتلك رحمة ولا شفقة بل القوة والطغيان، وكنت كلما تعلمت درسا زادت قوتي وازدادت إرادتي لحب المصارعة والتحدي ،لكنها عرفت كيف تلوي ذراعي وتكسر عنفواني وكبريائي، بأولادي الذين تحولوا إلى مجرمين مجحفين بحقي عاقين لا يعرفون قيمة هذه المصارعة العنيفة، التي صارعت الدنيا لأجلهم فحرموها أبسط حقوقها في الحياة حولوها إلى خادمة مذلة ومهانة وتدور في مكانها كبغل الطاحون الذي لايعرف الراحة ،وهذه الخادمة التي لاجزاء ولا شكورا باتت ذليلة مهانة لم يبق مرض في الدنيا إلا وأصابها ..الديسك .التهاب المفاصل والربو التحسسي وأمراض الكولون والمعدة وكل مايخطر ببالكم من أمراض الأنف والأذن والحنجرة وألم الأسنان والكآبة والتوتر العصبي فباتت لا تسمع جيدا ولاترى ولا تستطيع أن تأكل على أسنانها المتعبة وجسدها لا يقوى على حمل نفسه بسبب نقص الحديد والكالسيوم والمغنيزيوم وغيرها ،ورغم كل ما تحمله من أمراض جسدية ونفسية لم يراع أحدهم بمشاعرها كأم. عفوا ولا حتى كخادمة من دون أجر، حتى المجتمع لم يقصر معي ،فكرت بالانتحار أو الهرب إلى مكان لا يعرفني به أحد ، اتهمونني بالهرب مع حبيب أو عشيق، وأنا التي كرهت الدنيا وكرهت نفسي وكرهت يوم ارتبطت برجل، وكان نتيجة ارتباطي أولاداً لا يحملون ذرة مشاعر حب أو حتى استعطاف علي، وأنا في منتصف العمر، انتهازيون ،أنانيون ،اتكاليون لا يعرفون في هذه الحياة سوى قول يلزمنا ، ينقصنا ،أنت من خلفتنا ويجب أن تكوني خادمة لنا وقد أصبحوا شبانا وشابات وإذا ناقشتهم يتشدقون بأسوأ الكلمات ملزمة بنا رغما عنك وهل نسيت نفسك في ساعات البسط حتى خلفتنا يجب أن تتحملي، وتصمتي وتقدمي لنا كل ما نحتاجه نحن غير قادرين على تحمل أي مسؤولية .
هل كان فعلا ذنبي أنني خلفتهم لينتقموا مني ويجعلوا حياتي جحيما لا يطاق وهل أفرز المجتمع منهم كثيرا أم أنني وحدي أعاني من قسوة أولادي وطغيانهم ألم يقل رسول الله..أمك ثم أمك ثم أمك ..؟
لا أريد منكم سوى أن تقدموا لي خدمة وتبحثوا لي عن عمل حتى ولو خادمة في بيوت الأكابر ربما يقدرون تعبي ويكونون أرحم من أولادي علي ويشعرون بإحساسي كامراة بلغت من العمر عتيا وهي تعاني من قسوة أولادها وتعنتهم فجعلوا الحياة تنتصر عليها بعد هذا العمر.
هذه كانت كلمات صديقتي على النت والتي عشت معها سنوات الأزمة وتعرفت بها عن قرب وكنت أعلم بكل تفاصيل حياتها القاسية مع أولادها الذين أعطتهم كل حبها وحنانها وطيبة قلبها، التي جعلتها مداساً لهم ومحط سخرية، لأنها لا تمتلك شهادة ،وقد أوصلتهم إلى بر الأمان على وجع أكتافها وفناء جسدها فكانت النتيجة إذلال وقهر وحرمان من أبسط حقوقها كإنسانة تمتلك من المشاعر والأحاسيس مالم يمتلكه إنسان فصارت مطمعاً لأولادها ومجتمعها وكانت تردد دائما ليت جرحي من الغريب وليس من دمي.
رقم العدد 16282

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار