الجماهير – عتاب ضويحي
بذلك الظهر المنحني واليدين المرتعشتين، تصعد الدرج، تحمل أكياساً تضعها حيناً، وتحملها حيناً آخر، تتنهد تنهيدة طويلة، أشبه بالزفرة القوية وكأنها تلفظ معها همها و تعبها وضعف حالها.
كل من يلتقيها من سكان البناء وأنا منهم، يتلهف لمساعدتها، يسارع دونما تفكير ليحمل معها، ربما تتعدد الأسباب والنيات لذاك الهدف النبيل، ناهيك عن العادة الموروثة والمسلم بها بحتمية مساعدة كبار السن، وأنها من شيم الكبار، إلا أن الغاية المرجوة والمرام نيل قسط وافر من دعائها الجميل المحبب للقلب والمريح للأذن، مجرد سماعها بصوتها الرخيم، وهي تنهال علينا بسيل من الأدعية الخارجة من بريق عينيها، تبارك لنا بالصحة والأولاد والأرزاق، نحس جميعنا ببركة خفية، وكأننا ملكنا الدنيا، وضمنا الجنة.
نخال ونحن نطالع وجهها الجميل المحيا الذي زينته التجاعيد بخطوط من جمال، وكأننا نرى وجه أمهاتنا الراحلات.
تودعنا عند الباب بابتسامة شكر، لتستقبل وحدتها ومرضها وخوفها من الموت وحيدة ، تسترجع ذكرياتها مع من وهبت لهم حياتها، لكن حياتهم كانت أهم بكثير منها، ولسان حالها يحدثها سراً يهمس بقلبها جابراً له: ستعتادين وتنسين ثم تصبحين بخير.
ولسان حالنا يقول سلام على كبار السن ، سلام على من يراعونهم، وسلام على بركتنا الخفية.
رقم العدد 16285