ياسمين درويش
وابتسم مصعب حين تذكر أحلى أيام مراهقته في حلب كان ذلك اليوم يوم من أيام الصيف القائظ , فيتذكر اجتماع أبيه وأعمامه وبقية أسرته في منزل جده إذ كان جده يجلس قرب عمه الذي كان يعزف على العود تقاسيم رائعة فيما يتحلق رجال الأسرة وشبانها حوله أثناء احتساء القهوة وشرب النراجيل، و تجلس النساء في الغرفة الكبيرة المسماة بالقاعة, والتي تشرف نافذتها على الباحة (أرض الديار), وتبدو النساء فيها جالسات على أرائك الأرابيسك الخشبي, وحين أنهى العم معزوفته قام بإخبار الجميع أن لمصعب صوت جميل فطلب منه الغناء ،فقام مصعب بأداء أغنية من روائع أم كلثوم تتحدث عن العشق الإلهي وحين شدا قائلاً: لما تجلى لي بالدمع لاقيته.
نهض جده من مجلسه المحاط بالأصص المليئة بالورود الحمراء وتوجه إليه قائلاً: ما شاء الله ….لقد حباك الله جل وعلا بنعمة الصوت العذب يا ولدي فإياك أن تغضبه بغنائك ما لا يرضي الله.
وكانت السماء حينها تبدو زرقاء باهتة موشاة بلون بنفسجي يداخله اللون الوردي الجميل فيما ينام آخر شعاع للشمس كما تذكر ابتسامة أمه يومها وهي تطل من نافذة القاعة ممسكة منديلها بيدها وتتمتم فيعرف مصعب أنها تقرأ له المعوذات لكي يحميه الله.
وتتمايل جدته طرباً وهي المرأة الأكثر سعادة في المنزل, وحين يحل الظلام وتنار الأضواء الكهربائية الملونة ،ينعكس نورها على الياسمينة البيضاء فيشعر مصعب أن شذاها أخذ يفوح أكثر من قبل.
رقم العدد 16302