(حرملك) مجموعة قصصية للأديبة الدكتورة ريم عرنوق

· نبوغ أسعد

استطاعت المرأة السورية بجميع صفاتها أن تكون قادرة على دفع الظلم والاضطهاد عن باقي شرائح مثيلاتها من العنصر النسائي من خلال ما تقدمه من رصد للوقائع الاجتماعية المختلفة، والتي جعلت من هذه المرأة العين التي ترصد الحدث بكل تفاصيله، والوقوف إلى جانب المرأة المستضعفة ودفعها قدماً للدفاع عن كينونتها ووجودها مهما كانت العقبات .

وهنا تقف الدكتورة الأديبة ريم عرنوق لترصد لنا بعض القضايا الأنثوية والاجتماعية المهمة من خلال عيادتها الطبية والتي تختزن قصص وحكايات المرأة وما تحمله في دواخلها من حالات نفسية ومرضية يصعب عليها البوح بها خوفاً من ردات فعل المجتمع، الذي مازال يلعب دورا بالوقوف في وجه المرأة والتعبير عن مكنونات نفسها المتعبة وعدم الشعور بمعاناتها وتحطيم رغباتها .

حرملك اسم المجموعة التي قدمتها أديبتنا ريم لتعالج فيها قضية التسلط على شريحة النساء اللواتي يعشن في كنف الأم المتجبرة المتعنتة لعاداتها وتقاليدها المتوارثة في ممارسة دور القائد الذي لا يعرف الشفقة والرحمة على رعيته وكسر هيبتهم وشوكتهم، فكيف إذا كانت الرعية كلهن نساء وعقابهن يصل حد العبودية والاستسلام ،لكن ثريا الحفيدة التي لم تنصاع لهذا الظلم والقهر والحرمان من كل الحقوق ،كسرت حاجز حرملك جدتها ووقفت بشجاعة وجرأة للدفاع عن حقها وحق خالتها الصغرى والخروج عن كل القوانين التي سنتها الجدة في حرملكها الجائر، وخرجت للعالم الأكبر لتبني مستقبلها بيدها وتعيش حريتها وحياتها كما رسمها لها الله .

أما في القصة الثانية (قمح وعلقم) والثالثة (يليق بهم الدلال) تبرع الكاتبة في تصوير الحالات الإنسانية لدى المرأة المستضعفة وماتكنه في ذاتها المتألمة والحالات النفسية التي تتعرض لها هذه المخلوقة الحساسة الصابرة على الوجع والألم وطعم الخيانات والكتمان والانصياع للواقع الذي يفرض عليها رغماً عن إرادتها لتكون ضحية من ضحايا هذا المجتمع المنغلق على روحها الشفافة الحساسة، ولا تمتلك الشجاعة ليبقى سرها طي الكتمان في صدرها المثقل بالعذابات والجور، مقارنة مع الطرف النقيض ألا وهو الرجل الأناني الذي يلتفت إلى ملذاته وحياته بعيداً عن حسه وشعوره بالمسؤولية تجاه هذا المخلوق الحساس، ليكون القاتل الجزار لمشاعرها فيمزق حياتها لتكون ضحيته المطواعة في عرش مملكته .

في قصتها (المرأة التي هرمت قبل الأوان) تتعرض المرأة للغدر والخيانة والاستخفاف بها والتلاعب بمشاعرها، وهي الوردة التي تتفتح للحياة وتعشق الشمس والهواء وتبحث عمن يروي عروقها الجافة بماء الحياة .فتصطدم بواقع الرجل الذي رسمت له في مخيلتها، ذلك الساقي لعروقها المتيبسة فظهر أشد ضراوة من الرجل الذي وضعها في قوقعة حرملكه المتين بين جدران خاوية من كل مشاعر الإنسانية .

وفي قصتها (موعد مع الغذاء) تقف المرأة فيه موقف الشجاعة حين تتعرض للغدر والخيانة لتلقن الرجل درساً في الكرامة والعزة والكبرياء، وتجعله يتجرع من نفس الكأس التي سقاها منها عندما أهملها كدمية قديمة ورمى بمشاعرها في مهب الريح المجنونة وهو في قمة نشوته وسعادته مع حب آخر متناسيا أنها إنسان مثله مثلها لكنها رغم تجرعها لكأس الذل والخيانة وعدم اللامبالاة إلا أن صفعتها كانت أشد وأقسى على كل رجولته التي يفاخر بها .

في القصة الأخيرة (نشكر الله) تقف المرأة أمام قرارات مجتمعها صاغرة عاجزة عن امتلاك حتى حقها في جسدها الذي يباع في مزاد علني، والرابح من يدفع أكثر، والبائع ذلك الأب الجائر المتسلط والذي يبيع الشرف والعرض بكأس مشروبه فيحوله إلى حيوان لا يفقه في الحياة سوى الانقياد نحو غريزته .فتقف المرأة الذكية لتفاوض على جسدها مع الرجل الذي اشتراها بالمال لتبيع جسدها له بكل آيات حسنه وجماله وتعيش حياتها برفاهية ..فاقدة كل المشاعر والأحاسيس التي تلاشت عند قبض المبلغ وصارت تصف نفسها بالمرأة العاهرة لرجل واحد ،ينقض عليها كوحش كاسر أسرته رائحة فريسته الجميلة فراح يتلذذ بطعم لحمها الطري .

المجموعة القصصية للكاتبة الدكتورة ريم عرنوق بسلاسة أسلوبها ولغتها التعبيرية البسيطة والتي لاتخلو من الدعابات وجماليات التصوير للجمال الأنثوي والروحي بمعانيه السامية والتي سقته الكاتبة من روحها العفوية الشفافة المطعمة بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية لتطفي على مجموعتها عذوبة الكلمة، ولتكون أجمل وقعاً على نفس المتلقي وأكثر إيضاحاً لما تريد له أن يصل من خلال رسالتها لتقول للمرأة كوني أنت ذاتك بمشاعرك وأحاسيسك وجمالك الأنثوي، القوية الصابرة والقاهرة لكل ظروف الحياة وعيشي كما أراد لك الله أن تكوني أنثى من صلب الطبيعة، أتت لتكون أجمل المخلوقات وأفضلها على الأرض، ولا تكوني مجرد حالات إنسانية خيالية مقتبسة من واقع مجتمع لايرحم فيه الضعيف .

(حرملك) مجموعة تتسم بكل الصدق والعفوية والشفافية لجوهر المرأة الحقيقية والتي اقتبسته الكاتبة من صلب الواقع وأسقطته على منارات خيالها المجنح الذي يرفع بعالم المرأة إلى أقصى درجات الكمال .

رقم العدد 16344

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار