الفنانة لوسي مقصود” للجماهير “.. المتلقي هو من أهتم له ….. والساحة الفنية ستظل نظيفة للفنان الحقيقي .

الجماهير – أسماء خيرو

لفت انتباهي ماتحمله من تواضع ونقاء داخلي حين كانت تتحدث عن تجربتها الفنية في مكان عملها الذي كانت تتفجر منه طاقات رومانسية شاعرية لتشير إلى فنانة تمتلك قلبا دافئاً وموهبة عالية وحساسية قل نظيرها. تحرك الرؤى لصناعة المشهد الفني المتمكن الذي تستحوذ عليه الألوان وتثير قلقله المساحة البيضاء ، تدخلك إلى عالم التشكيل بهدوء وأناقة . مايميز أعمالها الثراء اللوني والأرضية الشاعرية ، التشكيل في فن لوسي مقصود يخطف الأبصار لأنه يعتمد على الجوهر، يعتمد على الحركة، فتراه في حين كالموج الهادئ ، كالعناق والتسامح الرقيق، ومضة من أمل وخاطر جميل يشق بالنور رحاب الحزن والألم ، وأحيانا أخرى تراه كتلة من اليأس والحيرة والصخب والقلق وحالات من الكآبة والغموض والضياع …
– كان للجماهير هذا الحوار مع فنانة تتكلم بالتشكيل عن انهماك الفكر والروح في معركة تدور رحاها بين أضلع الفنان ووجدان الإنسان …
* لوسي مقصود فنانة غنية عن التعريف وكالعادة لابد لكل فنان أن يتحدث عن بداية اللقاء مع طريق رسم له دون غيره حدثيني عن بدايتك مع الفن التشكيلي ؟
– في الحقيقة الفنان بالذات لايمكنه أن يتحدث عن بداية ما ، لأن الفن يولد معه منذ اللحظات الأولى بمجرد وجوده في هذا العالم ، ليس هناك وقت معين أو نقطة بداية لشيء اسمه فنان، أنا مثلاً عندما كنت طفلة كنت أستلقي على الأرضية وأنظر إليها فتتشكل أمام عيني رسومات وأشكال أرى فيها مالايراه غيري ، كانت تستهويني أمور مختلفة لاتستهوي من يماثلني في العمر ، كنت أرسم بطريقة مغايرة، البداية يمكن أن تكون تدريجية حتى يجد الإنسان نفسه ويتعرف عليها ويلاحظ بأنه يميل نحو هذا الموضوع أو ذاك ، ومن ثم تتطور ليصقلها الشغف الذي يحمله الإنسان في داخله ، وفي النتيجة كل إنسان في داخله فنان وموهبة إما أن يصقلها ويسمح لها بالظهور بما يمتلك من حب وشغف وإما أن يدفنها ويعتبرها كأنها لم تكن ..
.
* قلت إن في داخل كل إنسان موهبة عليه أن يصقلها هل تحتاج الموهبة إلى تعليم أكاديمي حتى تصقل؟ وهل الانتماء إلى إحدى المدارس التشكيلية والتأثر بأسلوب فنان دون غيره ضرورة لابد منها ؟
– لا ليس بالضرورة أن تصقل الموهبة بالتعليم الأكاديمي لأنها هي موجودة بالأساس وبالفطرة ، ينميها شغف الفنان إن شاء ذلك أم أبى ، يجعله الشغف يبحث عمايحب بكل الطرق ، والفن من المستحيل أن يلقن ، في مجال عملي في كلية الفنون التطبيقية أقوم بتدريس خطوات الرسم، ولكن أن ألقن الفن هذا أمر مستحيل ، أما عن الانتماء إلى مدرسة تشكيلية فهذه وظيفة الناقد الفني الذي يطلع على الأعمال الفنية ويقرر بأنها تنتمي إلى مدرسة فنية دون أخرى ، الفنان لايختار المدرسة ، الناقد هو من يشير إليها سواء كان الفنان من المدرسة الواقعية أو الكلاسيكية أو التجريدية أو غيرها ، وإن اختار الفنان أن يتبع مدرسة معينة وسار على خطاها دون غيرها ، هو بذلك وضع نفسه في داخل صندوق محكم الإغلاق لن يستطيع أن يخرج منه ، الفن مايميزه الحرية لذلك على الفنان أن يخرج من داخل الصندوق ويحلق بمفرداته الخاصة بتلك الحالة يمكن أن يتميز ، والتأثر ضروري يأتي بشكل تراكمي من الرؤية البصرية عندما نهتم بمشاهد أعمال الفنانين سواء العالميين أو المحليين ، هذا الاهتمام يثري الرؤية البصرية فيتكون داخل الذاكرة مخزون فني يهيئ الفنان لتكون لديه رؤية صحيحة، ليصنع في المستقبل لوحته المتفردة الخاصة به، يمكن أن أقول التأثر إجباري ، ولكن على الفنان أن يبتعد عن التقليد ، من الممكن أن تستهويني مدرسة معينة ، أعمال فنان معين ولكن يجب أن تكون لدي بصمتي الخاصة التي تحدد هويتي .. من أكون .. فإذا لم تكن لي هويتي فأنا (copy) أي نسخة عن هذا أو ذاك ..
* تتميز لوحاتك بالثراء اللوني كيف يستعمل الفنان اللون لكي يقول مايريد ؟
الحاجة إلى اللون يعتمد على الفكرة التي يريد الفنان أن يجسدها ، هناك لوحات تقول مايريد الفنان باللون الأسود والأبيض هذا التضاد مابين الأسود والأبيض من الممكن أن يخلق حضوراً وأن يجسد حدثاً ما ، نعم هناك إمكانية أن أجسد فكرتي باللون الأبيض والأسود ولكن أنا أفضل أن أضع وسط هذا التضاد لونا ، هذا اللون وضعته حتى أشير إلى مدلول معين، فكرة ما، رسالة ما ، أريد أن أقولها من خلاله ، وهنا يأتي دور الناقد الذي يقرأ اللوحة ويقول مابداخلي ، يتحدث عن مدلول اللون . أنا لاأبحث عن اللون عندما أبدأ برسم فكرة ما، اللون هو من يبحث عني ، اللوحة تكون حينها مساحة بيضاء وهذا يثير القلق أحيانا ، بالنسبة لي اللون يستحوذ علي اعتبره أساسيا وجوهريا لأن من خلاله أثير التساؤلات والتناقضات ومشاعر وأحاسيس متنوعة، أُدخل المتلقي بمئات من الحالات ..
* الألوان لها ركن أساسي في عالمك الفني ، ومدينتك حلب حدث فيها مالايوصف، أي الألوان استخدمتها أكثر من غيرها لتعبر عماحدث في حلب ؟
– نعم صدقت إن ماحدث في حلب لايوصف ومهما عبرنا وجسدنا لن نستطيع أن نقترب مماحدث في حلب من مآس ، ومازالت الأحداث التي حصلت فيها تثير الشجون في نفسي ، أقول لك بالرغم من أني جنحت لاستخدام اللون الرمادي بتدرجاته المختلفة لأجسد بعضاً مما حدث فيها ، إلا أن لمدينة حلب بمطرازتها – وأقمشتها – وتنوع أصناف الطعام فيها ، واختلاف الطوائف البشرية التي يحتضنها مجتمع واحد ، وتنوع اللباس المختلف مابين بيئة وأخرى، هذا التمايز والتنوع هو لون خاص لحلب ، فحلب لها كل الألوان ، مع أني كنت أرى ماحدث فيها باللون الرمادي …
* بحكم خبرتك الفنية وكونك تدرسين الفن التشكيلي، من هو الفنان الحقيقي وهل كل من يستطيع أن يمسك الفرشاة يمكن أن نصفه بفنان ؟
– بالطبع لا ليس كل من أمسك فرشاة هو فنان ، هناك من يمتلك مهارة الرسم وهناك فنان حقيقي وشتان مابين هذا وذاك ، الفنان الحقيقي هو من يخرج بحالة متفردة ، على سبيل المثال الفنان بيكاسو كان يرسم الفن الواقعي بعد ذلك هدم الواقع وأعاد بناءه لأنه فنان حقيقي استطاع برؤيته الهندسية أن يعيد بناء أعماله ، لقد فتح الوجه الإنساني بحيث يرى فيه المتلقي البعد الثالث والرابع غير الموجود والمرئي للعين ، أما من يمتلك المهارة ويتقن الرسم فهو متمكن من المهنة ، ونقول عنه فنان تطبيقي لاغير ، مثلاً الطلاب في الكلية أنا أعلمهم قواعد الرسم فقط لاغير لاأعلمهم الفن ، والطالب الفنان هو الذي يخرج مما علمته من القواعد بحالة خاصة تشير إليه ..
* من المؤكد أنك أقمت وشاركت بمعارض فنية لاتعد ولاتحصى ، الفن التشكيلي هل مازال بخير ؟ ورواد هذه المعارض برأيك يستطيعون قراءة أبعاد اللوحة ؟ وكفنانة هل أخذت حقك في الساحة الفنية ؟
– للأسف الفن التشكيلي في حلب ليس بخير ، فبعد أن كانت حلب للفنانين العظماء أمثال (فاتح مدرس) وغيره أصبح يعمل في هذا المجال من لاعمل له ، وبالرغم من ذلك لايصح إلا الصحيح والفنان المتمكن هو الموجود، والساحة الفنية ستظل نظيفة للفنان الحقيقي مهما تم اقتحامها من أناس يعتبرون أنفسهم فنانين، أما فيما يخص رواد المعارض ، نعم مازال المتلقي يستطيع قراءة اللوحة ، لذلك أنا أحرص على أخذ رأي جميع من حولي بأعمالي الفنية أسال الصغير قبل الكبير، أراقب وجوههم، انطباعاتهم ، إن تفاعلوا مع اللوحة هنا يصلني الجواب إن كانت جيدة أم لا ، رأي المتلقي يهمني كثيراً ولايهمني فيما إن كان متعلماً أو مثقفاً أو جاهلاً ، فهناك أناس يستطيعون قراءة اللوحة مع أنهم أميون، في بعض الأحيان أنا أندهش من قراءتهم للوحة ، أما عن حقي أيضا للأسف لم آخذ حقي إن تحدثنا من الناحية التجارية ، لأن السوق التجاري يفرض نفسه وهو المهيمن حاليا، أما من الناحية المعنوية ، يكفيني أن هناك من اهتم اليوم وجاء لمحاورتي عن مسيرتي الفنية من صحيفة الجماهير، هنا وصلني حقي المعنوي ..
* نرى كثيرا أن الفنان في المعارض الفنية يقف أمام أعماله ويبدأ بشرحها هل أنت مع هذا التصرف ولماذا ؟
وأين هو الناقد الفني لماذا لم نعد نراه في الفعاليات الثقافية ؟
– لا نهائيا أنا لست مع هذا التصرف لأني قلت ماأريد باللون والخط، على الجمهور أن يقرأ ويستنبط مادلالة اللوحة ورمزيتها ، فأنا بيني وبين المتلقي، الذي هو الآخر مهما تكن شريحته أو بيئته، جسر خفي يحقق لنا التواصل ، كل إنسان يقرأ تبعا لخلفيته الثقافية والبيئية التي نشأ فيها ، وليس بالضرورة أن يكون فناناً من يقرأ اللوحة ، المتلقي أيا كان هو إنسان ، أنا إذا جسدت في لوحتي شيئا من قلبي فإنه سيصل إلى المتلقي دون أن أقرأ أو أشرح له، من وجهة نظري إن الشرح يسهم في ضياع كل المعاني ، ويمكن أن يصيب المتلقي بالنفور ، والناقد الفني اليوم غائب عن الساحة الثقافية لا أدري لماذا ، ربما لديه أسبابه الخاصة ، والناقد الموجود حاليا هو مسخر لجهات معينة وأنا هنا لاأعمم ، و كم أتمنى أن يعود الناقد الحقيقي لحضور المنابر الثقافية كما كنت أراه في صغري (كنبيه قطاية ) وغيره من النقاد الفنيين …
* وقبل أن أختم هذا الحوار معك ، حدثيني عن مايحزنك اليوم في الساحة الثقافية ؟
– مايحزنني اليوم أننا في عصر الإعلام ، ومن المعروف للجميع أنه يلعب دوراً مهما في الترويج لكل شيء، ومع ذلك نراه يروج لأناس دون أناس آخرين ، العدالة والاهتمام من قبل وسائل الإعلام المحلية ليست موجودة ، سأخبرك منذ فترة أقمت معرضا خاصاً بي ، وإذا بي أتفاجأ بحضور الجهات المعنية وبعض الفنانين وغياب وسائل الإعلام ، من المفروض من الجهات المعنية التي دعوتها لحضور المعرض أن تنسق مع الصحافة وتدعوها لتغطية الفعالية أيا تكن ، فالفنان هو الذي يقدم للثقافة وليست الثقافة هي من تقدم له ، عندما أحمل اللوحات وأقيم المعارض على مسؤوليتي وأجتهد حتى أعكس الوجه الثقافي والحضاري لوطني أنا هنا أغني الساحة الثقافية
وأهب وأمنح للثقافة ، برأيي إن هناك تقصيرا كبيرا في حق الفنان بشكل عام ، ففي مدينة حلب هناك خامات فنية شابة جيدة ولكن لاأحد يمنحها الفرصة لكي تظهر ولا أحد يسلط الضوء عليها ، وهذا فيه ظلم بحق هؤلاء الشباب ..
* ختاما ماهي الأعمال الفنية التي لاتنتمي للفنانة لوسي مقصود وماهي أمنياتك اليوم ؟
– الأعمال الفنية التي لاتنتمي لي هي تلك التي أرسمها بناء على توصية من الزبون ، يرغب بأن أرسم له موضوعا معينا، فكرة معينة، لذلك أقوم بعمله من أجل الكسب المادي ولكن لاأضع توقيعي عليه ، الأعمال التي تحمل بصمتي فقط هي التي تحمل التوقيع الخاص بالفنانة لوسي مقصود ، وماأتمناه اليوم أن تعود حلب كما كانت، وأن تتحسن الأوضاع نحو الأفضل ، وكل شيء يأخذ مجراه الصحيح ، أن يكون هناك صدق في التعامل ، أن يتم الاهتمام أكثر بحاملي شعلة الثقافة والفن ، فهم الوجه الذي يعكس ويوثق حضارة ما ، نحن اليوم كفنانين تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة وللأسف الفن في تراجع لذلك أتمنى أن نكون على قدر المسؤولية وأن نقدم الدعم للفن ولكل مبدع أو موهبة شابة ، بمعنى أن نكون جنبا إلى جنب الفن لا أن نحارب ونشوه كل مبدع ونكون ضده …


رقم العدد 16358

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
احتفالاً بيوم الطفل العالمي.... فعالية ثقافية توعوية  لجمعية سور الثقافية  جلسة حوارية ثانية: مقترحات لتعديل البيئة التشريعية للقطاع الاقتصادي ودعوة لتخفيف العقوبات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية الشاب محمد شحادة .... موهبه واعدة مسكونة بالتجارب الفنية تهدف لإنجاز لوحة لاتنتهي عند حدود الإطار ال... حلب تستعد لدورة 2025: انطلاق اختبارات الترشح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة بصفة دراسة حرة خسارة صعبة لرجال سلتنا أمام البحرين في النافذة الثانية.. وصورة الانـ.ـقلاب الدراماتيكي لم تكتمل مساجد وبيوت وبيمارستان حلب... تشكل تجسيداً لجماليات الأوابد الأثرية على طريقة أيام زمان ... معرض 1500 كيلو واط يعود إلى عصر" النملية " في عرض منتجات الطاهية السورية تعبير نبيل عن التضامن : شحنة مساعدات إنسانية من حلب إلى اللاذقية دعماً للمتضررين من الحرائق مؤسسة الأعلاف تحدد سعر شراء الذرة الصفراء من الفلاحين وموعد البدء بالتسويق