مع الآخر !

حسين الحجي

اللاانتظار حرية، فأن تبقى وحيداً دون الآخر فأنت حر في اختيارك ، في وقتك لاشيء يأخذ منك شيئا، تحيا الفردانية وتفرح لوحدك دون أن يتطفل عليك أحد ما، وتمشي في المساء بصفاء الفكر فلا شيء قد كدر صفو مزاجك في النهار تعمل وتفكر بمرونة البديهة ليس هنالك من أحد تعمل عقلك لأجله ، لاأحد يسرق منك لذتك في النظر إلى القمر من نافذتك وكم مرة يختلي بك ويقول خذني إليك ياأنت يا أيها المشتهى.
الآخر هو الجحيم كما قال سارتر فهو يقاسمك لحظاتك كلها إلا الحزن فأنت تحزن لوحدك فقط ، في أبهى أوقاتك تجده يحتفي بك ويتطفل عليك ليأخذ منك قسطاً من سعادتك فيلتقط معك صورة لتوثيق فرحه بقربك ،يفسد خلوتك بالأشياء الجميلة، يمنعك من واجباتك الذاتية تجاه نفسك فلا تستطيع أن تفرط بالأمل بوجوده هو، لربما في بعض الأحيان يريدك أن تبقى كما هو وراء الظل، دون نقد دون عمل ، لترضي نادي القطيع الذي ينتمي إليه هو، يريد أن تشاطره الظلمة وأنت معه في ظلمة إن أردت أو لا .
تخشى وأنت معه كل الكلمات والأفعال التي تلازمك في وحدانية، وحتى صوتك ذو النبرة الواثقة ونهمك على وجبة الغداء والنوم عارياً من كل القيود دون أن تطفئ الأنوار ودون أن تكترث لصوت المنبه ، دون أن تضبط أحلامك اللامحدودة كالطيران من نافذة امرأة بعد لقاء سري ،
يأخذ منك الكثير تضحي لأجله تستغرق في حبه وتنسى أنت في زحام الحياة ، تتحمل أعباء وجوده على حساب راحتك فأنت مضطر أن تتعايش مع قبح سلوكه وعاداته الخاصة وعيوبه في بعض الأحيان، حتى أنك تكون ملزماً في بعض الأحيان أن تنهي كل حياتك معه.

الآخر هو من يراقبك وتراقبه فلا أنت تكون حقيقيا ولاهو، فأنتما في أدوار لحظية لتلافي الفشل، وكي تظهر أنت وهو بمظهر حسن تجاه الآخر أنت وهو الآخر.
فالمراقبة تقتل الأداء ، بالمراقبة أنت تفعل لأنك تخاف وليس لأنك تحب، فالطفل قبل أن يؤطر بأغلفة اجتماعية تجده يعبر عن أناه بكل عفوية وانسياب أما عندما مورست عليه القوانين والأعراف بدا يعبر عن الآخر.
عندما تكون مع الآخر لا تكون لذاتك بل له.
تغيب ليظهر ، فالآخر مرآة تعكس أنت اللاحقيقي عندما تكون معه في وحدة حال.
فعليك ياهذا أن تخصص وقتاً لك بعيدآ عن الآخر لتشعر بأناك الواحدة، الذات الفرد، فكل المعادن التي تصهر لتصبح معدنا واحدا تندثر ولاتعرف إلا بذاك المعدن الناتج ،
لكن رغم أن الآخر قيد مفروض علينا لكنه ضرورة حتى نعيش أقوياء وأسوياء فبدونه لاتكتمل الصورة الوجودية فأنا بدون الآخر لاأعرف أنني أنا، فهو السلوك الذي أقارن به سلوكي لأرتقي.
فلولاه ما عرفت الحكم على فعلي، إذاً هو المعيار والتجربة لأكون أنا الأقرب للخير والحق والجمال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار