حسين الحجي
مُمتَنٌ لكِ، عَن قَرَابتِي بكِ في مقعدٍ أثنَاء الظهيرة، في يومٍ كانَ أقرَب للعَبثِ وحرّ الوَقت،
والأمَل البَعيد، القَريب عَن هواءٍ مُنعشٍ كانَ يدخلُ من نافذةِ الفَرَح ليُحرِّكَ خصالكَ بعُنفِ اللّحظَة، وَيمدُّ رِئتيّ بالكَثيرِ منكِ.
مُمتنٌ لكِ، وأنتِ تُراقِبينَ مَلامِحي المُسَافِرة عنكِ إليكِ، وتَقولينَ هيَّتْ لك، يا أنتَ استَدِرْ إليّ، فاستَرقْتُ النَّظر لكيّ لا أَخدش كِبرِياء الحَادِثة، وأرَاكِ تُرَتِبينَ نفسَكِ أمامَ حِيرة أَشجَاني؛
لأنَّ العمر وفَى لِي بِجوارِ ذَات الحسنِ والدّلال، وكأنَّكِ تَتَأنَقينَ لِي، لأكتُبَ لكِ مَخطوطَة للذِّكرى من دمِ كُرياتِ حِبري.
مُمتنٌ لكِ؛ لأنَّ كَتفي معَ كتفكَ يَتعانَقان مثل برجٍ شاهِقٍ يطلُّ على وطنٍ مُحرر من أشكالِ التَبعيَّة والاحتِلال.
لأنَّ اللَّه أعطَاني شَرف الالتِحام بكِ، غَدوتُ بكِ وكُنتِ أنتِ.
مُمتنٌ لكِ؛ لأنَّكِ الصدفَة الجَميلة، الأَنيقة، البَديعة، ولأنَّكِ حقاً خير من ألفِ مِيعاد، لأنَّكِ نَبع زَمزَم انحَدَر من قَلبي بعدَ سِنينِ جَفاف.
مُمتنٌ لكِ؛ لأنَّ اللَّهَ نور وأنتِ قبسٌ من ضياءِ، لأنَّ عيونكِ حَارُقات، خَارِقات لكُلِّ أشكَالِ التَّعب والحرمَان.
مُمتنٌ لكِ؛ لأنَّكِ حَرير، مَلمس كانَ يُغطي جلدي في صَحراء شَوق، ولأنَّ نهديّكِ يَقضِيان قَيلُولة
الظَهيرة على ساعِديّ فأكفُّ عن الحَركةِ حتّى لا يَطيرانِ بَعيداً عَني، وأَبقَى بلا نَدِيم.
مُمتَنٌ لكِ؛ لأنَّكِ ضربات قَلب تَسري بِوَريدي لتَشحَذَ نَبضِي نحوَ الجُهد المِثاليّ، لأنَّكِ قوام يليقُ بي في مساءٍ، وبينَ سماءِ المَدينة الّتي أُحِبّ.
مُمتَنٌ لكِ؛ لأنَّكِ رُوح الكَلِمات في
قَصيدَتي تِلك، وامرَأَتي، مِرآتي، فَتَاتِي الّتي أُريد.
مُمتَنٌ لكِ؛ لأنَّكِ سَرو غَابة في الطولِ، مشيت بثقةِ النَخل بينَ حقولِ الوَله على قَدَمين من قوَّةٍ فارتَبكَتْ الأَرض، مهرَة جَامِحة أنتِ، لِماذا اختَفيْتِ؟!
بعدَ ابتِسامةٍ
و زَورة وِدَاد
وتَمتَمة شِفاه
وإيحَاء قُبلَة
حقاً اضطَربَ نُطقِي من مَفاتنِكِ الصّاخِبة وَالآسِرة، فلم أَستَطع النَّظر ولا الحَديث إليكِ،
وانتَشَى الفُؤاد من صهيلِ جَسدَكِ، وصرْتُ مُخدَّراً بكِ وكُلّ شيء أمَامي جميل، حتَّى حرّ الانتِظار في ذلكَ اليَوم.
وَبعدَها، مَشى سَاعي الشَّوق
وانتَهى بي الأجَل نحوَ زَخرَفة شَفتَيكِ على قرطَاسِ وَجَعي، كاتِبَاً:
(وَدَاعاً يَا أَنا).