الجماهير – أسماء خيرو .
الإنسان قيمة وأمل وإنجاز، هذه المفاهيم تتجلى بمعانيها السامية في الدراسة التي أجرتها الباحثة ريم حريري منذ بضعة أعوام لتشير إلى ضرورة منح طفل التوحد الحق في اكتساب اللغة العربية وتعلمها وكذلك منحه الفرصة لتفعيل قدراته وتوظيفها فيما يعود عليه بالنفع والفائدة في ميدان تعلم لغته الأم.
إن جولة واحدة في أوراق بحثها تجعل القارئ يدرك أهمية ما أرادت الباحثة الوصول إليه ،وماحققته في دراستها التطبيقية التي أجرتها مع طفل التوحد، وكذلك أهمية النتائج التي توصلت إليها، إذ تضع القارئ أمام الكثير من المعلومات الغنية والمفيدة التي تكشف لنا جوانب عديدة من عالم طفل التوحد وخباياه ، مستندة في بحثها على أهم المراجع العلمية والبحثية العربية والعالمية .
يبدأ الفصل الأول بعرض تعريف لمفهوم الاكتساب والتعلم لغة واصطلاحاً ، وتعريف اللغة العربية وأهم ميزاتها ، ومن ثم ينتقل إلى التعريف بطفل التوحد والعلامات المميزة له وصولا إلى تسليط الضوء على الدراسات التاريخية للتوحد، إضافة إلى تعريف التوحد لغة واصطلاحاً، بدءاً من تعريف الجمعية القومية للأطفال التوحديين ، والجمعية الأمريكية (ASA ) ومنظمة الصحة العالمية، وانتقالا إلى تعريف دليل الاختصاصيين النفسيين العالميين ، وصولا إلى تعريف التوحد عند مجموعة من الباحثين والعلماء العرب ومنهم ( أحمد عكاشة ، فتحي عبد الرحيم ، سميث ، وفريمان ) وغيرهم الكثير ، ومن ثم ينتقل البحث ليعرض للقارئ معلومات شاملة عن أنواع التوحد وخصائصه، وكيفية تشخيصه وأهم النظريات التي بحثت في أسبابه وطرق علاجه النفسية والسلوكية والتعليمية وغيرها من الطرق التي لجأ إليها الباحثون في عالم التوحد، مع الإشارة إلى معدل الإصابات بالتوحد في العالم والوطن العربي وإلى أهم المراكز الطبية المهتمة برعاية طفل التوحد ومعالجته في الوطن العربي مؤكدا على أهمية تضافر جهود كل من العائلة والمدرسة والمجتمع من أجل فهم طبيعة التوحد واستيعاب حاجات طفل التوحد وتطوير قدراته الذهنية ومهاراته الفكرية .
وبالانتقال إلى الفصل الثاني نجد أنه جاء تحت عنوان ( التواصل الاجتماعي مع طفل التوحد ) انطلاقا من ضرورة تحقيق التواصل الاجتماعي مع الطفل من أجل الأخذ بيده ومساعدته في اكتساب اللغة العربية وتعلمها ،إذ يقدم هذا الفصل تعريفا لمفهومي التواصل والتواصل الاجتماعي لغة واصطلاحاً، ومن ثم يوضح الفرق بين الاتصال والتواصل مع عرض أنشطة كثيرة حول طرق التواصل الاجتماعي مع طفل التوحد مرفقة بالصور لكل نشاط ، وتوضيح كيفية تقديم هذه الأنشطة للطفل ، مع عرض لأهم التعديلات السلوكية للتواصل الاجتماعي عند طفل التوحد .
أما الفصل الثالث من البحث يعرض للقارئ “صلب الموضوع” ألا وهو اكتساب اللغة العربية وتعلمها عند طفل التوحد، إذ يشير إلى ضرورة اكتساب اللغة العربية وتعلمها مع التركيز على أهم المشكلات التي قد تواجه الباحث ألا وهي” فردية” طفل التوحد ، فضلاً عن أنه يسلط الضوء على صعوبات الاكتساب والتعلم عنده والصعوبات الكامنة في مكونات اللغة لديه سواء كان من فئة الأطفال الذين يتكلمون أو لايتكلمون، ومن ثم ينتقل لطرح المنهج المتبع في تعليم اللغة العربية لطفل التوحد ،هذا المنهج يراعي الإمكانات والخصوصيات الفردية لكل طفل ، مع عرض النقاط الأساسية التي يقوم عليها المنهج التعليمي وأهم مميزاته والوسائل التعليمية بأنواعها والتي من شأنها تسهيل عملية التعليم والأسس السيكولوجية وطرق تطبيقها وفقا لهذا المنهج مع الإشارة إلى دور التعزيز في تطبيقها .
ويقدم البحث في الفصل الثالث الاستراتيجية المتبعة في المنهج وهي استراتيجية التعلم باللعب مع التأكيد على أهمية هذه الاستراتيجية ودور المعلم فيها ، ولم يغفل البحث عرض أنواع الألعاب التعليمية وشروط اختيارها كما لم يغفل كيفية اكتساب مهارات اللغة العربية وفق المنهج متضمنا مهارتي (القراءة والكتابة ) مع تقديم التدريبات المناسبة لكليهما مثل ( تدريبات اللسان ، الشفتين ، الفك، الشهيق ، والزفير ) وجميع هذه التدريبات مرفقة بالصور الموضحة لها ليكتمل الفصل بعرض استمارات وجداول تقييم للأنشطة والمهارات .
وفي الفصل الرابع يعرض البحث الدراسة التطبيقية للمنهج التعليمي، إذ أجرت الباحثة دراستها التطبيقية مع طفل التوحد، عرفت به وبحالته الاجتماعية والصحية، ومن ثم عرضت نتائج هذه الدراسة مع استمارات التقييم التي توصلت إليها والتي من خلالها يمكن الحكم على مدى نجاح الاستراتيجية المتبعة مع تفسير لنتائج الدراسة والاختبار .
وفي الفصل الخامس والأخير يستعرض البحث نبذة عن أهم مشاهير التوحد في العالم ومنهم ( الموسيقار بتهوفن ، وعالم النفس بياجيه – وعبقري التكنولوجيا بيل جيتس – والدكتورة في اختصاص رياضيات الكم مناهل ثابت ) وغيرهم.
وخلاصة الأمر يمكن القول: إن الباحثة حريري قد وضعت بين يدي القارئ بحثا من شأنه أن يكون مرجعاً معرفياً اجتماعيا يعرف القارئ بعالم التوحد وطفل التوحد وسبل الأخذ بيده لاكتساب اللغة العربية وتعلمها لتفعيل دوره كفرد في هذا المجتمع من حقه أن يتعلم اللغة العربية ويتفاعل مع الأسرة والمجتمع موظفاً ماتعلمه من هذه اللغة وخاصة في المجتمع العربي الذي مازال وللأسف يجهل الكثير عن التوحد الذي حتى يومنا هذا يشكل لغزا محيراً للكثير من الناس.