الجماهير- أنطوان بصمه جي
لوحات تشكيلية بألوانها الزيتية الجذابة تعكس وجود ثقافات عديدة هذا ما أبرزته جماليات لوحات معرض الفن التشكيلي الذي أقامته مبادرة (ART CAMPING) بالتعاون مع الكنيسة الإنجيلية العربية، استطاعت استقطاب 20 شاباً وشابة من مختلف الأطياف والتنوع الجغرافي عرضوا رسوماتهم التشكيلية بريشتهم ورؤيتهم الخاصة التي عكست التآلف الاجتماعي في سورية، وذلك من خلال عرض أعمالهم الفنية في باحة الكنيسة في حي الفيلات.
لوحات تشكيلية بأبعاد مختلفة تجسد امتزاج ثقافات عديدة في سورية استطاعت أن تجذب الزوار لسماع الشرح الذي تقدمه طالبة السنة الثانية في كلية الفنون التشكيلية روزالي أوكزان المشاركة في المعرض بلوحة واحدة عنونتها باسم (أم الكل) التي تعكس تعدد الأديان في سورية وذلك من خلال رسمها للكنائس والجوامع والتلاحم والتعايش، ويتوسط اللوحة رسم للسيدة العذراء التي خصها القرآن الكريم بسورة، إضافة إلى رسمها الجامع الأموي بدمشق الذي يعد أحد أبرز المعالم الدينية في سورية كذلك كنيسة اللاتين بحي العزيزية المعروفة لدى أبناء سورية، ويعلو اللوحة الفنية رسم حمامة بيضاء ترمز للمحبة والسلام وهي بمثابة انعكاس للمبادرة التي شاركت بها مع زملائها من مختلف الأعمار والتنوع الجغرافي والبيئات المتنوعة.
في حين استطاع محمود عبد الرحيم المشارك بلوحته في المعرض أن يظهر التنوع الثقافي السوري المصري منذ القدم، اللوحة التي رسمها جسدت صورة الملكة المصرية كليوباترا الرابعة التي تزوجت من ملك اسمه أنطيوخوس وسافرت معه إلى سورية، إذ تأثرت الملكة كليوباترا بالحضارة السورية القديمة وبالرقيم وهو أول كتابة مسمارية قدمت للعالم، ومن خلال لوحته التشكيلية استطاع أن يوجه رسالة متخصصة بالتنوع الثقافي السوري المصري وأن سورية مهد الحضارات منذ القدم ومنطقة جذب للحضارات الأخرى، مستخدماً أدوات عديدة لرسمته ذات الألوان الزيتية مستغرقاً ما يقارب 8 ساعات على فترات متقطعة لإنجازها بشكلها النهائي.
أما طالبة كلية الاقتصاد آية أوسو المشاركة بلوحتها التي عكست التراث الفلكوري الكردي الموجود في سورية، فأوضحت أن السجادة الموجودة في خلفية لوحتها تعكس النسيج الكردي الذي يحمل ثقافة شعب وسابقا كان يستخدم في البيوت الريفية القديمة، أما حالياً فهي توضع على الحائط كنوع من الزينة، بينما الورود كانت تستخدم بحسب ما قالته أوسو للتطريز بالخيط على القماش كجزء من ثقافة الزواج، إضافة لإظهار أن الأكراد هم أبناء الشمس والنار، والشال وهو جزء من الزي الكردي الذي يرمز لقوة المرأة ومساواتها مع الرجل من خلال مشاركتها له في الحروب.
وأوضح القس إبراهيم نصير الرئيس الروحي للكنيسة الإنجيلية العربية بحلب لـ “الجماهير” بأن الكنيسة أرادت أن تخلق مساحة لفئة الشباب ليذهبوا ويبحثوا عن تاريخ سورية وثقافاتها والغوص للوصول إلى الموروث الروحي فيها، ليخلق كل منهم بطريقته الخاصة تعابير جديدة.. لأجل ذلك تبنت الكنيسة الإنجيلية المشروع تحت اسم (ART CAMPING) الذي يعبر في طياته عن التمازج الاجتماعي في سورية بشكل عام وفي مدينة حلب خصوصاً، مبيناً أنه في ظل الحرب وفي ظل أزيز الرصاص وصوت القنابل، حاول البعض اللعب على تعويم هوية غير صحيحة على أبناء البلاد.
ورأى القس نصير أن الكنيسة يتوجب عليها أن تقف في وجه التعويم غير السليم وغير الدقيق، بينما يكون التعويم الصحيح أن يفخر أبناء مدينة حلب والسوريون بشكل عام بارتباطهم بالوطن وبارتباطهم بحضارته وتنوعه الذي لا يشابه أي تنوع في العالم أجمع، ومن هذا الإطار كانت اللوحات التشكيلية في باحة الكنيسة تشكل غنى مجسدا من قبل فئة الشباب التي تؤمن الكنيسة بقدراتهم باختلاف جنسهم وبطرقهم الإبداعية عن الانتماء لأرضهم وثقافاتهم المتنوعة.
وكشف عيسى طحان أحد منسقي فريق مبادرة (ART CAMPING) مشاركة 20 شابا وشابة رسموا 25 لوحة تشكيلية خضعوا خلال الفترة الماضية للتدريب على قضايا المواطنة والتنوع الثقافي تلته جلسات حوار مفتوح مع الشباب، وذلك بالتعاون مع الكنيسة الإنجيلية العربية، تم خلالها خلق مساحات آمنة للتحاور والتحدث بمواضيع تلامسهم لم تسمح لهم الفرصة سابقاً التطرق لها، إضافة إلى دورة لاحقة متخصصة بتنظيم المعارض، لصقل تجربتهم في عرض لوحاتهم وتفسير رؤيتهم للزوار في اليوم الوحيد للمعرض.
وبيّن طحان أن المعرض استقطب أكثر من 400 زائر خلال الساعات الأولى من افتتاحه، مضيفاً أن هدف المعرض هو عكس التنوع الثقافي والديني في سورية عن طريق الفنون التشكيلية وبالأخص الرسم التشكيلي، فاستطاع المشاركون عكس التنوع من خلال لوحاتهم وتوصيل أفكارهم من خلالها للزوار.
بدورها، أوضحت علا غازي إحدى المشرفات على المبادرة أنه تم اختيار طريقة الرسم التشكيلي لهذه المبادرة، ومن ثم تم دعوة فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-35 عاماً واختيارهم من مناطق متنوعة بحلب ومن ثقافات وقوميات وطوائف متعددة، حيث خضعوا لورشات سابقة وجلسات حوار ثقافية وتم اختيارهم عن طريق استمارة تم تداولها بين الأصدقاء وصفحات التواصل الاجتماعي، مبينة أن التحضير لفكرة المبادرة بدأت منذ الشهر الخامس الماضي بالتنسيق مع الكنيسة الإنجيلية لاستقطاب المشاركين، أما تنفيذ المبادرة فقد بدأ منذ شهرين عملياً.
المعرض التشكيلي بلوحاته المرسومة بريشة المشاركين الخاصة أوضح للزائرين والمهتمين ما يجول في خواطر المشاركين من إبداع فني وتقني يحكي مواقف مروا بها في حياتهم ويعكس تنوعهم الاجتماعي الغني من خلال انعكاسه في أعمالهم المعروضة.