عتاب ضويحي
على أغصان شجرة التوت في بستان بيتها الريفي، تركت أحلامها معلقة على حبال أرجوحتها، ومعها دميتها، ومضت معه، وهي بالكاد تعرف اسمه وتميز ملامح وجهه، وحملت في جعبة ذاكرتها وصايا عليها الالتزام بها لحين أجلها، فهي وجه العائلة الذي يجب أن يبقى أبيض براقاً لا تشوبه شائبة، حجرة كريستاليّة خالية العيوب، سارت عجلة أيامها دونما توقف، ومابين حمل وولادة وسمع وطاعة، أمضت العمر على مهل، على ملل، على أمل، وما بين عسر ويسر تؤدي دورها الموكل إليها على أكمل وجه، وفي كل مرة تتسلل إليها فكرة التمرد على واقعها، تدق وصايا أمها في ذاكرتها كجرس كنيسة أو صوت أذان يذكّرها بوعدها.
ذات يوم سألتها ابنتها:
مابالك يا أمي شاردة، كأنك تفكرين بأمر ما؟ أجابتها:
هناك شيء ما يغلي في روحي، لا أعرف مردّه، لكني أشعر به نيراناُ، طوفاناً.. روحي لاتسكن.. دائماً تحثني على الكثير ولكني مقيدة، لا حول لي ولاقوة!
أخفت وراء قناع عدم الاكتراث لحبه حباً يضاهي حبه بل تعداه.
حين فضحها رحيله الذي أشعرها باليتم، وعلّمها معنى الفقد الحقيقي، وعرّى وجهها من كل الأقنعة الزائفة، اتخذت من زيارة قبره عادة لها توزع الحلوى وكأنها في عيد أو مناسبة، تجلس عند رأسه لتخبره بأنه كان وما يزال بمثابة مطلع فجر لتائه قد خاف العتمة، والحظ الوحيد الذي حالفه في هذه الحياة، تسأله كيف يكون في غيابه كل هذا الحضور؟ تبوح له بخبايا قلبها ووجع روحها، وكم هي تائهة في عالم الحزن والحنين لهديل روحها ومليك قلبها.
وفي ليلها الطويل تسأل نفسها كيف لها أن تختصر الزمن وتطوي المكان لتصل إليه؟، ليأتيها الرد ذات ليل بأنه وطنها الذي لا ينتظرها لتأتي، فمضت إليه!.