سها جلال جودت
أمام باب بيته ضغطت على زر الجرس بعد تلكؤ وتردد، فتح الباب طفل صغير، أسمر اللون، باسم الوجه، بهدوء قالت:
ـ أين ال “ماما”؟
تركها واقفة في مكانها، والمخاوف في داخلها تتطامن كلما مرَّ عقرب الدقائق، وطيف الطفل غاب، وصوته لم يغب:” “ماما” فيه وحدة مرة بدا ياك”.
صاحبة البيت توجهت بها نحو غرفة الضيوف، فالمرأة التي طرقت الباب أنيقة تبدو عليها ملامح الثراء والقوة، وأمام لطافة ابتسامتها المصطنعة وحنكتها في تقديم نفسها استقبلتها صاحبة المنزل بكل كياسة ومودة واحترام.
تملّك المرأة امتعاض ٌ شديدٌ وهي تستمع إلى طلب المرأة الأنيقة وسؤالها:
ـ سمعت أن لديك صبية من أجل الخطبة والزواج؟
في سرّها قالت لنفسها:
ـ من أين سمعت أن لديَّ صبية في سن الزواج، وابنتي لم تتجاوز العاشرة من العمر؟!
زيارتها لم تكن طويلة، اكتفت ببعض التأملات الخفية، وهي تجول بعينيها هنا وهناك مختلسة النظر.
شربت فنجان القهوة وخرجت عائدة إلى بيتها، وفي رأسها مئات من الأسئلة الحرّى المضطربة:
ـ” هل يمشط شعرها كما يمشط شعري؟ هل يغلي لها فنجان القهوة ويقدمه كما يقدمه لي؟ هل يشتري لها نفس العطر الذي يشتريه لي؟ هل يضع رأسه على كتفها وهما يسمعان أم كلثوم تغني كل ليلة، كل يوم..”
عند دوار القلعة شاهدته، من بعيد، صرخت بفرحٍ:
ـ عامر، عامر!
التفت الرجل نحو مصدر الصوت، ووقف ينتظرها، بينما راحت هي تركن سيارتها جانباً وبسرعة ملهوفة تقترب منه وتمدّ يدها تصافحه.
رحب بها، ودعاها إلى شرب فنجان قهوة، بقلقٍ جلست قبالته، بتوترٍ شربت فنجان القهوة وهي تصغي إلى حياته مع زوجته وأولاده.
كانت تريده وحده دون زوجة وأولاد، تريده لنفسها، تحكي له عن رحلة الشتاء والصيف، عن معاناتها المريرة بعد أن تركا الجامعة، كلٍ في طريق بناء مستقبله وحياته.
ازداد الشغف وازدادت معه شغب العواطف بعد تكرر العديد من اللقاءات شبه يومية، لكنها تمنعت عليه قائلة:
ـ بالحلال يا عامر، بالحلال.
” أيها الرجل تنبه، زوجك لن ترضى، وأولادك ما يزالون صغاراً، وضعت نفسك على أتونٍ من مشاكل ستحرق الأخضر واليابس، ستصبح حياتك جحيماً من سعير.”
ماعاد يرى سوى رؤى، ورؤى بغنج ممنهج تقول له:
ـ ” قمر بعب الغيم”
يصرف عليها كما تأمره وتشتهي، فأكلة قمر بعب الغيم يفوق ثمنها ثمن البقلاوة، لأنها مليئة بكل أنواع المكسرات، من جوز ولوز وكاجو، عدا عن القميق الموجود داخل عجينتها الطرية والمحلاة بالعسل.
مثل لدغة أفعى لدغته الحبيبة التي رضيت في الزواج منه سراً دون علانية.
بكل جبروت المرأة وغيرتها وحقدها الحانق الخبيء على الزوجة الأولى تضغط على زر الجرس ثانية، هذه المرة ليس بحجة جئت كي أخطب الصبية، بل قالت:
ـ جئت كي أعلن نفسي أمامك زوجة زوجك الثانية على سنة الله ورسوله.
أعلنت حرائق الاشتباك بين المرأتين عن استعار النار الذي دار بالأيدي، وشد الشعر والعض والخربشة بالأظافر، انتهى بهما المطاف في قسم الشرطة بعد تدخل الجيران، والزوج في عمله لايعرف ماذا حصل في غيابه؟
خلقت لنفسها سحابة قاتمة من حزنٍ أمطر على رأسها بَرَداً من حجارة، عندما سددت سهم غيرتها نحو بيت الرجل الهادئ حين أغوته بالزواج منها، والرجل استبدّ به زعفران الغضب من الفضيحة وكلام الناس ونفور زوجته، وتركها البيت “حردانة”، مشترطة هي الأخرى لن تعود حتى يطلق الثانية.
ـ أنت طالق.
وشاعت الشائعات بين الناس وفي دائرته، “وقع على كنز، المرأة ميسورة”
“امرأة مزواج تبحث عن رجل مهما كان الثمن”.