حسين بلجودي*
دعيني أعبثُ وأصولُ وأجولُ كما أريد مع خواطري ومراسيمي وبنودي الرومانسيّة، دعيني أتغزّل بكِ. دعيني أكتبُ ما أشاءُ فيكِ، فهذا حقّي الدستوري والكوني والوطني والفطري والغريزي والرومانسي والعاطفي. دعيني أكتبُ ما أشاء، دعيني أفرغ حملاً كبيراً جداً كاد أن يقتلني، دعيني أفرغ مكبوتاتي وأفكّ عقدي، فأنا أنام على ثروات باطنيّة من الكلمات، وأعجّ بالمفردات، وأكاد أنفجر بالأحاسيس والمشاعر.
دعيني أنشر وأكتب وأقول وأخربش وأعبث وأصول وأجول بكلّ طفولة وبراءة ضمن أرجاء روحكِ. اتركيني أنعم بحرّيتي في ممارسة وظيفتي الروحيّة والكونيّة، اتركيني أقول ما أريد، وأفعل ما أريد. اتركيني أشاغب وأشاكس وأعاكس، فذلك وجودي بالنسبة لي، اتركيني أمارس شوقي وتعلّقي وجنوني وفلسفتي.
اتركيني ودعيني أطلق العنان لكل مايختلجني من جنون، وأسترسل بكل طلاقة وتلقائية وعفوية. اتركي فيضان أفكاري يجرف كلّ الشظايا ويرميها في مصبّ الفضلات. اتركي الفيضان يطهّر وينقّي ويتخلّص من كلّ الأغصان البالية وكلّ الأنقاض، فقد كنت أتنفّس وأنبض وأنا تحت الأنقاض، ولم أمت؛ لأنّ الدهر كان يحضّرني للخروج من تحت الأنقاض، وقد كان يريدني حيّاً، وأن لا أموت حتّى يهديكِ لي، ويقول أيها المجنون، أيها الفيضان الجارف، أيها البركان، أيها الصامد الفاقد للأمل، الآن حان زمنك، الآن حان وقت ممارسة وجودك، الآن حان وقت ممارسة جنونك، والآن حان وقت ممارسة مغامراتك، فهو وقت استثنائيّتك، وهو عصر ما بعد الحرب، وهو عصر ما بعد الأنقاض، وهو عصر السنن الكونيّة، فقد خبّأتُك أيها المجنون تحت الأنقاض ليس قسوة ولا بشاعة؛ بل لأنّ دورك حينها لم يكن قد حان، وكان لابدّ من ملاحم تطهيريّة جذريّة حتّى تكون رجلَ المرحلة.
قال لي الدهر أيها المجنون الفيلسوف لم أكن قاسياً معك يوماً، بل كنت أدّخرك لعصر آخر، وكنت أحضّرك لعهد طاهر. لم أكن قاسياً معك يا فيلسوف عصرك، ولم أكن متجبّراً معك يا مجنون دهرك، فقد كنتُ حكيماً، والحكمة تقتضي أن أضع الشيء في محلّه. خذ زمامك أيها القيصر، فالدهر قد أعادك للحياة، خذ زمام روحك وزمام روح أنثاك، نحن على أعتاب مرحلة تاريخية زاهرة، فخذ حقّك، خذ دورك. هأنا اليوم أحرّرك، وأزفّك عريسَ المرحلةِ، وقدّيسَ القادمِ، وأعلنك قيصرَ المستقبل، فخذ زمام مستقبلك، وامضِ، امضِ بأنثاكَ، بسوريّتك، وسافر بها وارحل، حلّق، طرْ، فقد مضى زمن الشرّ وانتهى.
_
*كاتب جزائري يعشق سورية.