الجماهير – بيانكا ماضيّة
في الأمس، وفي أثناء التواصل مع طبيبي الذي يعالجني عن بعد؛ لإعادة تفاصيل ذاكرتي البعيدة والقريبة على حدّ سواء – هذه التفاصيل التي تهمّني جداً، إذ إنّ الحرب لم تجهز على هذه الذاكرة، كما خطّط لها “برنار هنري ليفي” وخاصّة الأسماء- سألني طبيبي سؤالاً ليختبر من خلاله ذاكرتي الفنيّة والثقافيّة البعيدة، فقال بصوته “الرنّان”: من هو مخرج مسلسل (التغريبة الفلسطينيّة)؟! فضحكت ضحكة عالية، وقلت له: ليس إلى هذه الدرجة يادكتور! وتابعت: هل لديك متّسع من الوقت لتسمع يادكتور؟!
قال: نحن هنا لنسمع، تفضّلي!
-أنت تعرف يادكتور أنني صحفية، وأنّي بدأت بالعمل الصحفي بشكله الوظيفي عام 1997، أي أنّ لديّ الكثير الكثير من الذكريات، وبالتالي فلايمكن أن أنسى من هو مخرج التغريبة الفلسطينيّة…
– بالتأكيد لديك، ولكن سنرى إن كنت قد نسيت الاسم أم لا!. ضحكت ضحكة أخرى!
– في أثناء تصوير بعض اللقطات لمسلسل التغريبة الفلسطينية في مدينة حلب، كنت حينها رئيسة للقسم الثقافي في صحيفتنا (الجماهير)، وبما أنني مغرمة بمواقع التصوير، تواصلت مع مساعد المخرج الليث حجّو، عن طريق عمّ الفنانة نسرين طافش، الصديق العزيز رحمه الله محمود طافش، وذلك لإجراء حوار مع المخرج حاتم علي، فأعطاني موعداً لما بعد انتهاء عمليات التصوير في المدينة.
ذهبت وبرفقتي المصور الصحفي أحمد حفّار إلى فندق “الأمير” الواقع وسط المدينة- وهو حالياً على شكل أطلال إثر الحرب التي دارت في حلب- وقد كان الكادر الفني للمسلسل يبيتون فيه. في تلك الأثناء كنت أستخدم آلة التسجيل ذات الكاسيت الصغير جداً، تلك الآلة التي أُعطيت إياها من الصحيفة؛ لتسجيل الحوارات واللقاءات. قاطعني طبيبي:
– من دون تفاصيل! وضحكت ضحكة أخرى، وأجبت:
– لا أستطيع! المهم التقيت بالليث حجو وبحاتم علي في مطعم فندق الأمير، وقد أعددت للمخرج حاتم أسئلة في الصميم!
ضغطت زر آلة التسجيل، وبدأ الحوار.
ألقيت عليه السؤال تلو السؤال، وهو يجيب بكل أريحيّة وثقة عالية بالنفس وبما يقوم به، إلى أن استفززته بأحد الأسئلة وتوقّعت منه إجابة معيّنة قد تكون انفعاليّة، ورغم أنه كان متعباً جداً، إلا أنه قد أجاب إجابة رائعة جداً أدهشتني.
انتهى الحوار الجميل مع حاتم علي، وشكرته جزيل الشكر على إعطائي جزءاً من وقتهم الثمين، رغم تعبهم وإجهادهم من التصوير..
في أثناء العودة مع المصور في سيارته، التي جلست خلف مقودها قليلاً، ضغطت زر آلة التسجيل الصغيرة الشكل، لكن الكبيرة في الفعل؛ لأسمع الحوار، فإذا بها تسجّل وتحذف… ياااا لخيبتي! ماذا فعلت يا أيتها اللعينة؟! لقد أضعت علي أجمل حوار مع حاتم علي عن التغريبة الفلسطينية!.
عدت واتصلت بالليث حجو، وكلّي خجل وأسف، إذ لا بد من إعادة إجراء الحوار؛ لأني كنت قد صممت على أن أحجز صفحتين من صفحات جريدتنا الجماهير لهذا الحوار الرائع مع الصور، فاعتذر وقال: سنسافر غداً صباحاً، وقد دخل الأستاذ حاتم إلى غرفته لينام!.
عدت أدراجي وكأنّي ما أجريت الحوار، وكلّي حزن وأسى وأسف؛ لأن حوار التغريبة الفلسطينية مع حاتم علي قد ضاع مني!.
فهل عرفت يادكتور إن كنت قد نسيت اسم مخرج التغريبة الفلسطينيّة أم لا؟! ولكن أريد أن أسألك: من هو مخرج فيلم “ردّ القضاء” يادكتور؟!
– ما ألعنك!.