رجل الطرقات والسفر! … من سلسلة نثرية كتبت في أثناء الحرب!

بيانكا ماضيّة

تعشق المدائن أنتَ يارجل الطرقات والسفر.. ولدتك أمّك على قارعة حزن فتركتَ جسدك في مهده ورحلت بروحك نحو المحطات باحثاً عن مقعد يحضن أشلاء الحنين في داخلك..وها روحك مازالت تهيم في الطرقات.. في الأزقة.. عم تبحث فيها اليوم بعد أن غدت ميتة الأوصال.. تمشي على غير هوى.. فأي حبّ تبتغيه؟! تتصل بحبيبتك.. أما زالتْ بعيدة عنك؟! تطالعك ضحكتُها من خلف نافذتها المشرفة على الشمس..
اشتقتُ إليكِ يا أنتِ! ويا أنتَ ألم يحن صدرك لرأس أحلامي؟! تقطع الشارع وأنت تضحك.. وفيما تنظر السيارات إلى ولهك الذي تجرّه خلفك على الرصيف.. تطالعك شجرة ياسمين على جدار بيت مطلّ على شارع.. تتعثر بها كما تعثر شاعر الياسمين ذات يوم بعقده.. تتمعّن امرأة كانت مقبلة نحوك بزهرات الياسمين التي نثرتَها في يدها بعد أن قطفتها من حضن الشجرة.. تشكرك ثم تقرّبها من أنفها مغرقة إياه في خلايا أصابع الياسمين.. وتروح تشتمّ بعضاً من حديثك معها..مع حبيبتك حتماً.. ما أطيب هذه الرائحة!! أخال أنها كانت تحدث نفسها بهذه الكلمات!!
سيارات تعبرك وأنت تعبر قلبَ حبيبتك.. تفكيرَها.. تلكؤها.. كلماتُكِ قوافلُ من ليالي عشق.. تقول هذا وتتذكر قوافلَ الغذاء لمدينتك.. تغرورق عينيك بدمعات ودمعات.. هل وصلتْ؟! هل أكل أهل المدينة؟ كيف استقبل أهل العزّ صناديق الشهقة؟! تسأل نفسك وقد رأيتَ أحدهم في صفحات التواصل يحمل بيديه أكياساً من أملٍ لصغار يبكون.. ضحكته لاتسعها حلب… ابتسمتَ حينها..ولكنك بكيتَ حين رأيت عجوزاً على شاشة إحدى المحطات يتكئ على حافة عمره وهو ينظر شزراً إلى مشهد توزيع الصناديق الذي يراه.. كم هي مؤلمة تلك المشاهد يارجل!!
تعود حاملاً فوق رأسك أوجاع أهل وطنك.. وأنت الموجوع منذ بداية الخلقِ.. تهرع إلى حاسوبك كعادتك بعد كل حوادث الواقع وأحداثه.. بعد اغتيال علي.. وما أدراك ماقاله علي قبل اغتياله!! أصدقاؤك كتبوا قصائد وحبّات دمع على رحيله.. رأيتَ صورته وهو مسجى بثلاثين رصاصة وكلمة أخيرة.. علي أتته رصاصات الغدر والحقد أمام بيته.. وسال الدم ليغطي أرض الوطن.. وماكان علي الأول في قوافل الشهداء وما كان آخرهم.. ورحت تنتظر موكب الشهيد لتسمع عشراتٍ من رصاصاتٍ تخترق فضاء المدينة.. ياشهداء أمتي! روحي ترفرف معكم أنى رحلتم.. ياجنود الحق والحياة جسدي يسافر معكم في كل طرقات الوطن.. أحمل لكم زاداً.. كلماتٍ ربما تقيكم حرّاً وبرداً وجوعاً وظمأ..هكذا كنت تسرّ للشهداء ومشاريع الشهداء.. وتغرف من أوجاع وأمل غير بعيد عن أفق المدينة..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار