بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
كرر على الناس عفواً في المُلمّاتِ
تحظى برحمةِ خلاقِ البرياتِ
بالعفوِ تغرسُ غرس الودّ في مُهجٍ
لطالما ضرمت بالحقدِ تاراتِ
نُثني لـمُحسننا نعفو لمخطئنا
نرقى بموطننا مهدَ الحضاراتِ
إن العفو قيمة إنسانية عظيمة ذلك أنها تجدد حياة المخطئين وتمنحهم فرصةً لتصحيح مساراتهم. وترفع من قدر العافي وتمنحه لذةً عظيمةً لا يمكن أن يحصل عليها بالعقوبة أو الانتقام.
والعفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، فلا تطالب به.
العفو محبة للإنسان ومرضاةٌ للرحمن، إنه أشرف وأنقى وأعظم ، ذلك أنه طاقة خلّاقة تصنع المحبّة في القلوب بطريقةٍ لا يمكن للعقوبة أن توجدها.
لذلك فقد رغّب الله تعالى في القرآن الكريم بالعفو عن الناس، فقال سبحانه:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 134 .
وقال تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء/ 149.
وقال : ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن/ 14 .
ووردت أحاديث عديدة في السنة النبوية الشريفة من ذلك ما رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) .
وكذلك روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ ) .
ولهذا وعد الله تعالى من ينزل نفسه ذلك المقام العالي بأن يكون أجره على الله ، قال تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى/ 40 .
ولقد كثرت قصص العفو التي يمكن للمرء أن يَعتبر بها من ذلك:
قصةُ عفوِ نبي الله يوسف الصديق عن إخوته بعد ما لاقى منهم ذلك الكمَّ الهائل من الكيد، فبعد أن أخذوه من حضن والده وألقوه في الجب وعانى ما عاناه حتى أصبح عزيز مصر جاؤوا إليه خاضعين طالبين العفو فقال لهم كما في القرآن الكريم: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) سورة يوسف 92.
وكذلك يتكرر الموقف مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة في ساحة الحرم بجوار الكعبة المُشَرّفة عندما تجمع المشركون أمامه، أولئك الذين مكروا به وعذبوا صحابته الكرام وقتلوا منهم الكثير، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
إنه موقف ينبئ عن نفسٍ عظيمة آمنت بقضاء الله وعرفت سرّ الحياة، وتصالحت مع مكنوناتها، ورتّبت أولوياتها.
ونحن في وطننا العظيم سورية يتكرر العفو من السيد الرئيس بشار الأسد عن المخطئين، وما ذاك إلا عن قوّةٍ واقتدار، وها هو سيادته قد أطلّ علينا بمرسوم عفوٍ جديدٍ يُنبئ عن وعيّ كبير وحكمةٍ عالية، وقوّةٍ وعزيمة لا تعرف الضعف أو الاستسلام.
أسأل الله تعالى أن يصون وطننا قيادةً وجيشاً وشعباً، وأن يُلهم أبناء وطني للسعي للاستفادة من ذلك العفو الكريم، وليعود الألق إلى وجه وطننا مهد الحضارات.