كلمات الشهيد !.

 

بيانكا ماضيّة

بكثير من السواد والذهول والرفض كان يحدّثكِ عن أخيه الشهيد.. وكلمات لعصفورٍ ووردة دامية كان قد خطّها قبل أن تُطلق الرصاصة.. الأشياء التي جُمعت وسُلّمت له أخفت بين طياتها تلك الكلمات، ورسماً لعصفور يحمل وردة.. كلّ الأوراق التي تدبّج عليها الحروف لاتشبه ورقة واحدة كتب عليها الشهيد. بين سطور الشهيد تكتب حكايات أخرى، فما بال الشهداء إذ كانوا كتّاباً من طراز رفيع؟!
بكثير من حكمة وفلسفة راح الشاب العشرينيّ يحدّثكِ عن الموت والحياة، كأنه هو الذي عبَر نفق الموت حتى وصل إلى كوّة النور. وبكثير من ألمٍ مجبول بغصّة حدّثكِ عن ساعات قليلة التقى فيها أخاه.. ساعات كأنها ثوان من العمر.. “اشتقتلك” الكلمة الوحيدة التي زلزلت كيان الأخ.. “اشتقتلك” هي الكلمة التي ستبقى راسخة في عقله وقلبه..
“لم يرحل.. مازال يعيش معي” بهذه الكلمات يختصر لكِ الشاب حكاية أخوين.. “مازلت أرفض موته.. وحين أعلمني ذات اتصال عن استشهاد رفيقه طلبتُ منه أن ينتبه إلى نفسه.. وماكنت لأفكر للحظة واحدة أن الموت قد يطرق باب أخي وهو الذي عبَر غيرَ مرةٍ أبواب الموت” هكذا أعلمك برفضه.. بعدم استيعابه للموقف المجلجل.. الذهول مازال يرتسم في عينيه، ولحية سوداء وقميص أسود يكللان المشهد..
ولكن مامصير الحروف والكلمات؟! هل يطرق الموت بابها؟! هكذا كنت تتساءلين.. والمعاني هل تُلقى على قارعة الطريق؟! ليست المعاني واحدة في مصيرها.. فلكل معنى مغارةٌ تحتضن اللجوء..
الكلمات صار لها جناحان كذينك الجناحين اللذين رسمهما الشهيد لعصفوره.. طارت الكلمات وحلّقت في غير فضاء بموسيقا ألّفها أخ الشهيد.. “كنتُ سألحن ما كتبته عنه بعد أن تلقيت خبر استشهاده.. وما إن قرأت كلماته بين أوراقه وأشيائه حتى توقفت كلماتي عن المسير”… “كم تمنيت أن أبقى معكم لكن وجدت بالشهادة حبي لكم ففارقتكم.. ولكن روحي معكم.. أعدكم سأزوركم صباح مساء، فروحي بينكم” هكذا كانت إطلالة كلمات الشهيد، إذ لمعانيها الصدارة والأولوية والمنبر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار